ومن حرصه ورحمته بهم إرشادهم في هذا الحديث إلى المبادرة إلى الوصية وكتابتها؛ لئلا يهجم على المؤمن أجله قبل ضبط ما يريد بالوصية والكتابة. فينبغي للدعاة إلى الله تعالى أن يتصفوا بالحرص على تعليم الناس الخير اقتداء بنبيهم صلى الله عليه وسلم؛ فإن الحرص على نفع المدعوين صفة من صفات الأنبياء وأتباعهم؛ لما رواه عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «إنه لم يكن نبي قبلي إلا كان حقا عليه أن يدل أمته على خير ما يعلمه لهم، وينذرهم شر ما يعلمه لهم» (?).
ثانيا: أهمية الحزم والجزم والاحتياط في الأمور المهمة: من الأمور المهمة التي ينبغي أن يتصف بها المسلم، وخاصة الداعية إلى الله تعالى: " الحزم والاحتياط "؛ ولهذا قال صلى الله عليه وسلم: «ما حق امرئ مسلم». . . " والمعنى: ما الحزم والاحتياط للمسلم إلا أن تكون وصيته مكتوبة عنده، إذا كان له شيء يريد أن يوصي فيه؛ لأنه لا يدري متى تأتيه المنية، فتحول بينه وبين ما يريد من ذلك (?) وهذا يبين أن الحزم والاحتياط من أخلاق المسلم (?)؛ ولهذا ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف، وفي كل خير، احرص على ما ينفعك، واستعن بالله ولا تعجز، وإن أصابك شيء فلا تقل لو أني فعلت كان كذا وكذا، ولكن قل: قدَرُ اللهِ وما شاء فعل، فإن لو تفتح عمل الشيطان» (?)؛ وقد بوّب بعض الشراح لهذا الحديث بقوله: " باب في الأمر بالقوة وترك العجز، والاستعانة بالله، وتفويض المقادير لله " (?).
وهذا يدل على أن قوة العزيمة وعلوَّ الهمة خلق عظيم يجعل صاحبه أكثر إقداما على الأمور العظيمة، وأشد عزيمة في الدعوة إلى الله تعالى، وفي الصبر على الأذى واحتمال المشاق في ذات الله تعالى، وأرغب في الصلاة