11 - محنة الإمام البخاري: دخل الإمام البخاري رحمه الله نيسابور سنة مائتين وخمسين فاجتمع الناس عنده، فحسده بعض شيوخ الوقت، فقال لأصحاب الحديث: إن محمد بن إسماعيل يقول: لفظي بالقرآن مخلوق، فلما حضر المجلس قام إليه رجل فقال: يا أبا عبد الله، ما تقول في اللفظ بالقرآن: مخلوق هو أو غير مخلوق؛ فأعرض عنه البخاري ولم يجبه ثلاثا، فألح عليه، فقال البخاري: " كلام الله غير مخلوق، وأفعال العباد مخلوقة، والامتحان بدعة " (?) فشغب الرجل وقال: قد قال: لفظي بالقرآن مخلوق. وقال البخاري رحمه الله: " من زعم أني قلت لفظي بالقرآن مخلوق فهو كذاب؛ فإني لم أقله إلا أني قلت: أفعال العباد مخلوقة " (?) وبعد أن ظهر الحسد للبخاري رحمه الله في نيسابور خرج منها ورجع إلى وطنه لغلبة المخالفين.
ولما قدم البخاري إلى بخارى وقع الخلاف بينه وبين أميرها، وذلك أن الأمير خالد بن أحمد الذهلي والي بخارى كتب إلى البخاري أن يحمل إليه كتاب الجامع والتاريخ؛ ليقرأه عليه، ويسمع منه، وقيل: ليقرأ على أولاده ويعقد لهم مجلسا لا يحضره غيرهم، فامتنع الإمام البخاري وقال: لا أخص أحدا، وبيَّن البخاري للأمير أن من أراد العلم فعليه أن يحضر في مجلسه، أو في داره؛ ليكون له عذر عند الله أنه لا يكتم العلم، فأمر الأمير بمن يتكلم فيه وفي مذهبه حتى أخرجوه من البلد؛ لأنه يظهر مذهب أهل الحديث، ويأتي إليه جماعة يظهرون شعار أهل الحديث من إفراد الإِقامة ورفع الأيدي في الصلاة وغير ذلك (?) ودعا البخاري على من أخرجه، فلم يمضِ شهر على الأمير حتى عزله الظاهرية وكان عاقبة أمره إلى الذل والحبس، وابتلي من أعانه على إخراج البخاري بأنواع البلايا (?).