حتى يحفظه ويعمل به؛ لأن الجمع بين الكتابة والحفظ من تمام الضبط، والعلم صيد فليقيد بالكتابة.
ثالثا: من صفات الداعية: العقل السليم، والنشاط، والأمانة، والخبرة: دل الحديث على هذه الصفات الأربع، لقول أبي بكر - بحضرة عمر - لزيد بن ثابت - رضي الله عنهم: " إنك رجل شاب، عاقل، ولا نتهمك، وكنت تكتب الوحي لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - " وهذه الصفات بشيء مْن التفصيل على النحو الآتي:
1 - العقل السليم: قال العلامة الأصفهاني - رحمه الله: " العقل يقال للقوة المتهيِّئة لقبول العلم، ويقال للعلم الذي يستفيده الإِنسان بتلك القوة: عقل. . . " (?). ثم بَيَّنَ - رحمه الله - أن كل موضع في القرآن الكريم رفع فيه التكليف عن العبد لعدم العقل فإشارة إلى الأول، وأن الثاني هو المعني بقوله تعالى: {وَمَا يَعْقِلُهَا إِلَّا الْعَالِمُونَ} [العنكبوت: 43] (?). فاتضح أن العقل السليم: هو المتصف بالعلم النافع والعمل الصالح (?). وقد جاء في كلام العلامة القسطلاني على قول أبي بكر - رضي الله عنه لزيد: " إنك. . . عاقل ولا نتهمك " قوله - رحمه الله: " فيه تمام معرفته، وغزارة علمه، وشدة تحقيقه، وتمكنه من هذا الشأن " (?).
وهذا يبيِّن للداعية أهمية الاتصاف بالعقل السليم؛ ولهذا ذكر الحافظ ابن حجر - رحمه الله - أن زيد بن ثابت - رضي الله عنه: " لو لم تثبت أمانته وكفايته، وعقله، لما استكتبه النبي - صلى الله عليه وسلم - الوحي، وإنما وصفه بالعقل وعدم الاتهام دون ما عداهما إشارة إلى استمرار ذلك له، وإلا فمجرد قوله " لا نتهمك " مع قوله " عاقل " لا يكفي في ثبوت الكفاية والأمانة، فكم من بارع في العقل والمعرفة وجدت منه الخيانة " (?).