للكفار وغيرهم، وإذا أراد قتال قوم من الكفار وقد عاهدهم، فإذا انقضى عهده أو خاف غدرهم نبذ إليهم عهدهم: {وَإِمَّا تَخَافَنَّ مِنْ قَوْمٍ خِيَانَةً فَانْبِذْ إِلَيْهِمْ عَلَى سَوَاءٍ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْخَائِنِينَ} [الأنفال: 58] (?) وينبغي للرعية أن لا يشقوا على إمامهم العصا، ولا يتعرضوا لما يسبب الفتن (?) وقد بين الإمام القرطبي رحمه الله: أن قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لكل غادر لواء يوم القيامة يرفع له»، جاء خطاب بنحو ما كانت تفعل العرب، وذلك أنهم كانوا يرفعون للوفاء راية بيضاء، وللغدر راية سوداء ليشهروا به الوفي، فيعظموه ويمدحوه، والغادر فيذموه ويلوموه بغدره، قال " وقد شاهدنا هذا فيهم عادة مستمرة إلى اليوم " (?) فمقتضى هذا الحديث الغادر يفعل به يوم القيامة مثل ذلك؛ ليشتهر بالخيانة والغدر، فيذمه أهل الموقف وقد ثبت عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أن هذا اللواء يكون عند مقعدة الغادر بحيث لا يقدر على مفارقته؛ ليمر به الناس فيروه، ويعرفوه، فيزداد خجلا وفضيحة عند كل من مر به (?) فَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «لِكُلِّ غَادِرٍ لِوَاءٌ عِنْدَ اسْتِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يُعْرَفُ بِهِ» (?) وكأنه عومل بنقيض قصده؛ لأن عادة اللواء أن يكون على الرأس، فنصب عند السفل زيادة في فضيحته؛ لأن الأعين غالبا تمتد إلى الألوية فيكون ذلك سببا لامتدادها إلى التي بدت له ذلك اليوم فيزداد بها فضيحة (?) وفي لفظ: «لِكُلِّ غَادِرٍ لِوَاءٌ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يُرْفَعُ لَهُ بِقَدْرِ غَدْرَتِهِ، أَلَا وَلَا غَادِرَ أَعْظَمَ غَدْرًا مِنْ أَمِيرِ عَامَّةٍ» (?) فالغدر على هذا اللفظ دركات، فإذا كانت غدرته كبيرة عظيمة رفع له لواء كبير عظيم، مرتفع، حتى يعرفه بذلك من قرب منه ومن بعد، وأعظم الغدر وأفحشه غدر الأمير العام؛ لما في غدر الأئمة من المفسدة فإنهم إذا غدروا وعلم ذلك منهم، لم يأمنهم العدو على عهد ولا صلح، فحينئذ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015