1 - إن فى معظم قبائل العالم الإسلامى رجالاً لهم عقول راجحة وبعد نظر وتقدير للأمور، وفى أغلب الأحيان يتولََّى أمر القبيلة أرجح النَّاس عقلاً وأكثرهم جودًا، وأعظمهم شجاعة، وأخلصهم لأهله وعشيرته، وشخصية الأمير يحيى بن إبراهيم الجدالى خير دليل على ما قلت، ولذلك مِن الدروس العميقة من هذا البحث هو أهمية دور زعماء القبائل فى دعوة قبائلهم وعشائرهم، وإيجاد الحماية اللازمة للدعاة إلى الله فى أوساط القبائل، فعلى الحركات الإسلامية العامة أن توثِّق علاقتها مع هذه الشريحة مِن المجتمع، وتحرص على دعوتها للإسلام لتنصهر فى الدعوة الربَّانية التى تبذل جهدها لتحكيم شرع الله تعالى.
2 - إن أبا عمران الفاسى العالم الربَّانى والفقيه المالكى سيِّد الفقهاء فى القيروان فى زمانه يعتبر هو واضع الخطوط العريضة لدولة المرابطين، وكان - رحمه الله - يميز بين العمل العلنى فى الدعوة وفقهها وتعليم النَّاس، وبين العمل السرى لإقامة دولة سنية، وكان رحمه الله على اتصال بفقهاء أهل السنة فى مدن وقرى الشمال الإفريقي، ولذلك لما تعرَّف أبو عمران الفاسى على الأمير الصنهاجى يحيى بن إبراهيم، وعلم بأحوال قومه وحاجتهم لمنهج الإسلام ومن يربيهم على ذلك، اتصل بأخيه الشيخ وجاج بن زلوا اللمطى فقيه المالكية بالسوس الأقصى، وكان فقيهًا صالحًا يقيم بمدينة ملكوس، وأطلعه على المهمة التى جاء من أجلها الأمير يحيى، فاختار لهذه المهمة تلميذه الذكى الفقيه العابد الألمعى عبد الله بن ياسين الجزولى صاحب العلوم المتنوعة والشخصية الجذَّابة التى تجرى فى دمائها صفات الدعاة المتعددة، وسار- رحمه الله- وفق خطة محكمة بصبر وحلم وشجاعة فى قبائل الملثمين.
3 - كانت مرحلة التعريف التى نفَّذها الإمام عبد الله بن ياسين فى قبائل جزولة ولمتونة وغيرهما من أصعب المراحل، وكادت تودى بحياته واستطاع أن يحارب مظاهر الشرك والجهل فى مجتمع صنهاجة الصحراوي، وأن يتحمل الكثير من أجل تعليمهم الإسلام وأركان الإيمان ومقامات الإحسان.