جيوش المُوَحِّدِين عبد المؤمن بن على الذى استطاع بجيشه أن يحتل مدن المغرب مثل فاس ومراكش وغيرهما.
ورأى القاضى عياض أن المصلحة العليا لمدينة سبتة وأهلها أن يبايع عبد المؤمن حفاظًا على الأعراض والأموال، وتجنيب المدينة مِن الدمار الشامل, وقبل أمير المُوَحِّدِين تلك البيعة الاضطرارية، وما أن قام مُحَمَّد بن هود بثورته على المُوَحِّدِين حتى استجاب أهل سبتة لذلك بزعامة القاضى عياض، وقام السبتيون بقتل عامل المُوَحِّدِين وأصحابه، وسار القاضى عياض إلى يحيى بن على المسوفى المعروف بابن غانية فى قرطبة وبايعه، وكان متمسكًا بدعوة المرابطين, وطلب منه أن يُعيِّن واليًا على سبتة فبعث معه يحيى بن أبى بكر الصحراوى، وأصبحت بذلك مدينة سبتة خارجة عن دولة المُوَحِّدِين, وعادت إلى حكم المرابطين.
إلا إن جيوش المُوَحِّدِين استطاعت إخضاع مدينة سبتة وأهلها, وأعادوا البيعة من جديد للمُوَحِّدِين الذين قبلوا ذلك, واشترطوا إبعاد القاضى عياض عن مدينته إلى مراكش، وقيل تدلا, إلى أن توفاه الله تعالى.
إن موقف القاضى عياض كان منسجمًا مع عقيدته وعلمه ودعوته فى محاربته للمُوَحِّدِين الذين اعتقدوا عصمة إمامهم مُحَمَّد بن تومرت، وغير ذلك مِن العقائد البدعية التى سنفصِّلها بإذن الله تعالى عند كلامنا عن المُوَحِّدِين.
إن القاضى عياض ليس من أهل السنة وحسب، ولكنَّه فقيه أهل السنة آنذاك على الإطلاق، وهو كذلك يرى وجوب الوقوف أمام دعوة ابن تومرت، وينبغى التخلُّص منها حتى حانت أول فرصة، وإن يكن قد بايع فالبيعة آنذاك كانت حفاظًا على سلامة بلدته وأهلها، أما وقد لاحت الفرصة بخروج بعض المدن على سلطان المُوَحِّدِين القائم على بدعة الإمامة المعصومة، أما وقد جرت الريح بما لا تشتهى السفن؛ فإن مِن العقل الاستسلام ثم المبايعة وله حكم المضطرِّ فى ذلك.
وإن سلطان المُوَحِّدِين عبد المؤمن كان على مقدرة عجيبة مِن الدهاء والمكر، ولذلك رأى لمصلحة دولته أن يضع الفقهاء والعلماء الذين يشك فى ولائهم له فى مراكش، ومنعهم مِن العودة إلى بلادهم، أو يضعهم فى مدن أخرى ليخدموا مخططات الدولة الناشئة (?).