المبحث الثالث
موقف المرابطين من الخلافة العباسية
رأى المرابطون إن مبايعة الخليفة العبَّاسى واجبة، ولذلك أعطوا بيعتهم له لكونهم مالكيين سنيين، فاعترفوا بالخلافة العباسية واتخذوا السواد شعارًا لهم، ونقشوا اسم الخليفة العبَّاسى على نقودهم منذ منتصف القرن الخامس الهجري، وبعد أن بسط الأمير يوسف سيادته على الأَنْدَلُس طلب منه الفقهاء أن تكون ولايته من الخليفة لتجب طاعته على الكافة، ونزولاً عند رغبتهم اتصل بالخليفة العبَّاسى أحمد المستظهر بالله 487 - 512هـ / 1094م- 1118م وأرسل إليه بعثة من عبد الله بن مُحَمَّد بن العربى الإمام المعروف، وزوَّدها بهدية ثمينة, وبكتاب يذكر فيه ما فتح الله على يده من البلاد فى المغرب والأَنْدَلُس، وما أحرزه من نصر للمسلمين، وعزٍّ للإسلام، ويطلب فى النهاية تقليدًا بولاية البلاد التى بسط نفوذه عليها، وأدَّت البعثة مهمتها بنجاح؛ فتلطَّفت فى القول, وأحسنت الإبلاغ وعادت إلى المغرب بتقليد الخليفة وعهده للأمير يوسف بن تاشفين الذى سُرَّ بذلك سرورًا عظيمًا (?).
لقد كانت دولة المرابطين من الناحية العملية تستطيع أن تستغنى عن الخلافة العباسية الضعيفة, حيث إن السلطان لا يملك من السلطة إلا اسمه، بل كان الأمير يوسف أكثر قوة منه؛ يملك ويحكم، ولكن حبَّهم لشريعة الإسلام وحرصَهم على تنفيذ أَحكام الله فى أسوأ الظروف جعلهم يتقيدون بذلك، لقد كانت توجيهات القرآن الكريم فى وجوب لزوم الجماعة وذم التَّفرُّق واضحة المعالم بالنسبة إليهم, ولقد كانت أحاديث رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فى هذا المضمار هى التى أرشدتهم للانضمام للخلافة العباسية الضعيفة، قال تعالى: {وَلاَ تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِن بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ - يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ فَأَمَّا الَّذِينَ اسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ أَكْفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ فَذُوقُوا الْعَذَابَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ - وَأَمَّا الَّذِينَ ابْيَضّتْ وُجُوهُهُمْ فَفِى رَحْمَةِ اللهِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} [آل عمران:105 - 107].
لقد ذكر ابن جرير بسنده عن ابن عبَّاس - رضى الله عنهما-: قوله: {وَلاَ تَكُونُوا