يسلم المُعْتَمِد بن عَبَّاد له الجزيرة الخضراء، فيسمع الأمير يوسف هذه النصيحة وينفذها فى أرض الواقع، وامتنع عن جواز البحر حتى تحصَّل على تلك الجزيرة التى أفادته فى جهاده كثيرًا، لقد كانت قيادات المرابطين تستمع للنصح فى تواضع جم، واستعداد نفسى رفيع يدل على عمق التربية العميقة التى تحصَّلوا عليها.

إن الإسلام أوجب على الرعية أن تُناصح ولاة أمرها، وقد جاء الأمر بذلك فى حديث من جوامع الكلم لرسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذ يقول: «الدِّين النصيحة - ثلاثًا - قال الصحابة: لِمَن يا رسول الله؟ قال: لله - عزَّ وجلَّ- ولكتابه ولرسوله ولأئمة المُسْلِمِين وعامتهم» (?).

ومعنى النصيحة لهم فى هذا الحديث: «معاونتهم على الحق وطاعتهم فيه وتذكيرهم به وتنبيههم فى رفق ولطف، ومجانبة الوثوب عليهم، والدعاء لهم بالتوفيق» (?).

وقال - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «ثلاثة لا يُغل عليهن قلب امرئ مسلم: إخلاص العمل لله، والنصح لأئمة المُسْلِمِين، ولزوم جماعتهم» (?).

لقد أكرم الله حُكَّام المرابطين ببطانة آمرة بالمعروف وناهية عن المنكر, مرشدة للصواب، ناصحة للراعى والرعية لا تخشى إلا الله.

رابعًا: التقويم:

كان المُسْلِمُون الذين ارتبطوا بدولة المرابطين لا يجدون حرجًا ولا مانعًا فى إيصال ما يرونه من النصح والإرشاد وتقويم الأخطاء التى يقع فيها الحُكَّام أثناء اجتهاداتهم فى شئون الحياة.

وهذا المبدأ قد استقرَّ فى مفهوم الصحابة منذ بداية دعوة الإسلام، فهذا

الصدِّيق - رضي الله عنه - عندما تولى الخلافة، قام فى الصحابة خطيبًا، فقال: «أيُّها الناس, فإنِّى قد ولِّيت عليكم, ولست بخيركم، فإن أحسنت فأعيونني، وإن أسأت فقوِّموني، الصدق أمانة، والكذب خيانة، والضعيف فيكم قوى عندى حتى أرجع عليه حقه -إن شاء الله- والقوى فيكم ضعيف عندى حتى آخذ الحق منه - إن شاء الله-، لا يدعُ قوم الجهاد فى

طور بواسطة نورين ميديا © 2015