أمَّا القائد الربَّانى والفارس الميدانى سير بن أبى بكر فكان جهاده الميمون فى غرب الأَنْدَلُس؛ حيث زحف إلى بطليوس وأميرها يومئذٍ مُحَمَّد بن الأفطس «المُتَوَكِّل» بعد أن فتح إشبيلية كما سلف، فاستولى على شلب ويابرة, ثم احتلَّ بطليوس فى صفر 487هـ - آذار (مارس) 1094م.

وفى الوقت الذى سقطت فيه بطليوس، استطاع المرابطون أن يفتحوا جزر البليار، التى كان واليها يومئذٍ من بنى شهيد أتباع أمراء بلنسية ودانية، وأحسن المرابطون صنعًا بفتح الجزر الشرقية «بليار» فى الوقت الملائم، فقد كانت منعزلة تعيش تحت هيمنة الأسطول النصراني، وقد تم الفتح على يد القائد البحرى ابن تافرطست.

بذلك أصبحت إسبانيا المسلمة تحت قبضة دولة المرابطين الفتية سنة487هـ /1094م، ونستثنى من ذلك ولاية سَرْقُسْطَة التى كان واليها أحمد بن هود «المستعين بالله» الذى أبلى بلاءً حسنًا فى جهاد النصارى, وظهرت فيه شهامة ورجولة أقنعت الأمير يوسف على إبقائه فى مُلكِه، وتحالف ابن هود مع إخوانه فى العقيدة ضدَّ أعدائهم فى الدِّين، وكان سدًا منيعًا فى الثغور الشمالية وقد كلف النصارى خسائر هائلة فى الأموال والأرواح.

واستطاع النصارى أن يحتلُّوا مدينة «بلنسية» عام 487هـ بقيادة القائد

النصرانى الكمبيادور الذى أمن قاضيها «ابن جحاف» ثم أحرقه بالنار، وعمل المرابطون على إرجاع بلنسية والحصون التى وقعت فى يد النصارى، وتمكَّنوا من تحرير بلنسية عام 495هـ.

والجدير بالذكر أن بابا الفاتيكان أفتى لأهل إسبانيا ومَن حولهم من الإفرنج إن قتالهم فى الأَنْدَلُس ضد المُسْلِمِين جهاد مقدس, ولذلك لم يشارك الإسبان فى حروب النصارى الصليبية فى شرق العالم الإسلامى فى هذه الفترة.

لقد كانت سياسة الإسبان فى حروبهم للمُسْلِمِين صليبية النزعة، همجية الخلق، خالية من الأخلاق، ممزوجة بالغدر بعيدة عن العلم والحضارة.

وكانت سياسة المرابطين فى حروبهم وجهادهم مبنية على نشر الإسلام ومكارم الأخلاق فى أُطُر حضارية نابعة من مشكاة الوحيين كتاب الله وسنة رسوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (?).

* * *

طور بواسطة نورين ميديا © 2015