كله، انقلبت الوسيلة إلى غاية، فَقُدِّمَتْ مصلحةُ الجماعة على مصلحة الأمة، وارْتُكبَتْ في سبيل حفظ الانتماءِ الخاصِّ مخالفاتٌ جسيمةٌ في حَقِّ الانتماءِ العامِّ.
واحْتُمِلَ الضررُ الأعلى في حق الأمة -أحيانًا- لدفع الضرر الأدنى في حق الجماعة!! إلى الحد الذي حَوَّلَ بعضَ هذه التجمعات إلى أجسامٍ غريبةٍ في جسد الأمة، منفصلةٍ عن أهدافها، منغلقةٍ على نفسها، ومنكفئةٍ على ذاتها، بلا رغبةٍ -ابتداءً- أو قدرةٍ -انتهاءً- على التفاعل مع الأمة، كما شاع في إثر ذلك جوٌّ من الإرهاب الفكري داخلَ هذه الكيانات، فلم يُسْمَحْ بنقدٍ ذاتيٍّ، ولم يَبْقَ مجالٌ حتى للتفكر والتأمل، أو المناصحة، والمكاشفة؛ فأفضى الأمر إلى أن تصبح هذه الوسائل التنظيمية -ذاتها- عرضةً للنقدِ والنظرِ الشرعيِّ بحالتها الراهنة؛ إذ لا يمكن للمستَبِدِّ المنغلِق أن يكون أملًا لأمته.
وتوقفتْ جموعُ العاملين لتتساءل: إلى أين نَمْضِي؟ وإلى أين يُمْضَى بنا؟!
وشهدت الساحة ظاهرةً حقيقيةً وهي: الانشقاقات أو الانشطارات داخل الجماعة الواحدة!!
ومما يُذْكَرُ لبعض الاتجاهات السلفية انضباطُ هذه القضية لديها، وحسنُ إدارتها، مما مَكَّنَ من جَمْعِ أوصالِ العمل الإسلامي السلفي على مستوى القطر، وهو أَمْرٌ تبدَّى واضحًا في عمل الجماعة السلفية بالإسكندرية بعد قيام الثورة المصرية.