Q هل من حق الزوجة عليّ أن أخدمها إذا احتاجت إلى ذلك؟
صلى الله عليه وسلم هذا السؤال يحتمل أمرين، هل من حق المرأة أن أَخْدُمها أو أُخدِمها، يعني أن أخْدُمها، يعني هو بنفسه يخدم المرأة، ويخْدِمها، بمعنى: أن يستأجر لها خدامة ومن يخدُمها.
فأما كون الرجل يخدُم امرأته إذا كانت مريضة أو كان عندها عذر، فهذا من مكارم الأخلاق، وشأن أهل الكرم والفضل أنهم يردون الجميل ويردون الإحسان، ولا يجب عليه ذلك، ولكن إذا مرضت واحتاجت إلى هذا وفعله منه فإنه من أفضل ما يكون، وهذا داخل في عموم قوله عليه الصلاة والسلام: (خيركم خيرُكم لأهله) .
أما إذا كان السؤال أُخدِمها، بمعنى استأجر لها خادمةً تقوم على خدمتها، فهذا فيه نظر، قال العلماء: إذا كانت الزوجة قادرة على خدمة البيت وامتنعت من خدمة بيتها، وسألت الزوج أن يستأجر لها من يخدمها لم يكن من حقها ذلك، وإذا أرادت خادمة فإنها تطالب بالنفقة على الخدامة إذا أرادت أن تستخدم؛ لأن الحق متعلقٌ بها، فإذا أرادت أن تقوم بهذا الحق أصالةً قامت به، وإذا أرادت أن تقوم بها نيابةً بأن تستأجر الخدامة فإنه لا حرج، لكن إذا كانت تعمل، وقالت: أريد أن آتي بخدامة، فالزوج مخيرٌ بين أمرين: إن شاء أن يلزمها بالبقاء في بيتها والقرار فيه وتقوم بخدمة البيت، من حقه ذلك، ويجب عليها أن تبقى في بيتها وأن تخدم بيتها وأن تقوم عليه بالمعروف؛ لأن هذا هو الأصل، وهذا هو الفطرة التي فطر الله عز وجل عليها الناس، أن كل امرأة مطالبةٌ بخدمة بيتها، وأن عملها الأصلي والذي فرضهُ الله عليها وأوجبه عليها من فوق سبع سماوات رعايتها لبيت زوجها، قال صلى الله عليه وسلم: (والمرأة راعيةٌ في بيت زوجها) ، ثم قال: (فكلكم راعٍ وكلكم مسئولٌ عن رعيته) ، فالأصل أنها تبقى في بيت زوجها.
قال العلماء: لو اشترطت المرأة على زوجها أن تبقى في عملها وأن يخلي لها ذلك، قال جمعٌ من العلماء: لا يلزمه هذا الشرط، ومن حقه أن يقول لها في أي يوم تبقين في البيت وينفق عليها بالمعروف، من حقه، وأما قوله عليه الصلاة والسلام: (إن أحق ما أوفيتم به من الشروط واستحللتم به الفروج) فقالوا: هذا محلها أن لا يتضرر، والمرأة إذا خرجت من بيتها بالفطرة والجبلة فسيتضرر الرجل، وخاصةً إذا كان عنده ولد، وقد يرضى في حال العقد، لكن حينما يأتيه الولد ويرى بأم عينيه كيف يضيع الأولاد بين خدامةٍ وأخرى، وكيف يتعرض الأولاد للضرر، وكان في حسبانه أن الخدامة تقوم بما تقوم به امرأته، فإذا بالظنون يخالفها الواقع وتخالفها الحقيقة فمن حقه أن يمتنع في أي يوم شاء، وهذا كما ذكرنا؛ لأن الأصل أنها مطالبة في البقاء في بيتها، وعملها خارج البيت هذا إذا رضي به الزوج، وأما إذا لم يرض به الزوج فمن حقه أن يردها إلى الأصل، وأن يلزمها بهذا الأصل، قال تعالى: {وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ} [الأحزاب:33] ، ولذلك من جهة كونه يُخدِمُها لا يلزمه.
لكن إذا كانت المرأة مثلها يُخْدَم، وجرى العرف أن مثلها يُخْدَم، كان غنياً -الرجل غني- والمرأة من ذوات الغنى واليسار، فمذهب بعض العلماء: أنه إذا كانت من ذوات اليسار، وجرى عرفها أنها تخْدَم يلزمه أن يُخدِمَها، وأن يستأجر لها من يخدمها، والأصل ما ذكرناه، الأصل أن المرأة هي التي تقوم بالخدمة، وهل رأت عيناك كمثل بنات رسول الله صلى الله عليه وسلم الكريمات بنت الكريم صلوات الله وسلامه عليه، ومع ذلك هنّ اللاتي كنّ يخدمن بيوتهن، وهنّ اللاتي كنّ يقمن برعاية البيت وحقوق البيت على أتم الوجوه وأكملها، حتى كانت أسماء رضي الله عنها وأرضاها وهي بنت الصديق رضي الله عنها وأرضاها تتأوه من شدة ما تحمله على ظهرها في خدمةِ بيت بعلها، ومع ذلك ما كان ذلك ليغض من مكانتهن ولا لينزل من قدرهن، أبداً بل كان سبباً في رفعتهن واستقامت أمور المسلمين، لما حفظ النساء حقوقهن في البيوت، ورعين البيوت كما ينبغي، وقام الرجال بحقوق النساء فاستقامت الأمور، فإذا اختلفت الفطرة واختلت فإنه حينئذٍ قد تضيع حقوق؛ ولذلك كونه يلزم بإخدامها هذا ليس بواجب، وإذا جرى عرفٌ يضر بالرجل ولم يجد الخدمة على الوجه المعروف كان من حقه أن يمتنع، فمحل الرجوع في العُرف أن لا يتضرر.
وليس بالمفيد جري العيد بُخلف أمر المبدئ المعيد فالعادات والأعراف إذا أدت إلى الإضرار بالزوج أو إلى ضياع الأولاد كان من حق الزوج أن يعتذر عن ذلك، وأن يتمنع منه.
والله تعالى أعلم.