كذلك أيضاً من الأمور المهمة وهي من حقوق الأولاد، التي ينبغي رعايتها، ونختم بها هذا المجلس، حق العدل بين الأولاد.
وهذا الحق أشار إليه النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح: (اتقوا الله واعدلوا بين أولادكم) ، فلا يجوز تفضيل الإناث على الذكور، كما لا يجوز تفضيل الذكور على الإناث، كان أهل الجاهلية يفضلون الذكر على الأنثى، وكانوا يغضبون إذا بشروا بولادة الأنثى، كما أخبر الله عز وجل في كتابه حيث قال: {وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالأُنثَى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ} [النحل:58] ، فإذا بُشّر بالإناث تمعّر وجهه وتغير، وكأنه يُبشر بسوء، نسأل الله السلامة والعافية؛ فلذلك أدب الله عز وجل المسلمين على الرضا بقسمة الله عز وجل، يرضى الإنسان بالولد ذكراً كان أو أنثى، إذاً كما قلنا: لا يفضل الإناث على الذكور ولا الذكور على الإناث، وإنما يعدل بين الجميع.
كان السلف رحمهم الله يعدلون بين الأولاد حتى في القُبلة، فلو قبل هذا: رجع وقبل هذا، حتى لا ينشأ الأولاد وبينهم الحقد؛ ولذلك قالوا: إن التفضيل يؤدي إلى مفاسد، أولها: أن يكون ضرر التفضيل على الوالد نفسه؛ فإنه ينشأ الأولاد على حقد وكراهية للوالد، وقد أشار النبي صلى الله عليه وسلم إلى هذا المعنى بقوله في الحديث الصحيح لـ بشير بن سعد الأنصاري والد النعمان بن بشير: (أتحب أن يكونوا لك في البر سواء؟ قال: نعم ... ) أي إذا كنت تريدهم أن يكونوا لك في البر سواء فاعدل بينهم، وكن منصفاً فيما تسدي إليهم.
كذلك أيضاً من المفاسد التي تترتب على عدم العدل بين الأولاد هي: أنها توغر صدور بعضهم على بعض؛ ولذلك حصل ما حصل بين يوسف وإخوته؛ لأنهم قالوا: {لَيُوسُفُ وَأَخُوهُ أَحَبُّ إِلَى أَبِينَا مِنَّا} [يوسف:8] ؛ ولذلك لا ينبغي أن يكون الوالد أو الوالدة في التصرفات والأعمال على تفضيل ولدٍ على ولد، وإنما يكون كلٌ منهما على تقوى الله عز وجل، فيجب أن يحسنوا إلى الجميع، سواءً كان ذلك التفضيل من الجانب المعنوي، أو الجانب الحسي المادي، فإذا أعطى الابن شيئاً، يعطي الأنثى كذلك، واختلف العلماء في كيفية العدل بين الذكر والأنثى، ولهم قولان مشهوران، قال بعض العلماء: المال الذي يعطيه للذكر، يعطيه مثله قدراً للأنثى سواءً بسواء، فإن أعطى هذا ديناراً يعطي هذه ديناراً، وقال جمعٌ من العلماء: إن العدل بين الأولاد أن يعطي الذكر مثل حظ الأنثيين، وهذا هو الصحيح؛ لأنه قسمة الله عز وجل من فوق سبع سماوات، وقال تعالى: {وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالأُنْثَى} [آل عمران:36] ، فإن الولد يخرج ويحتك بالناس، وتنتابه من المصاريف أكثر من الأنثى؛ ولذلك قالوا: يجعل للذكر مثل حظ الأنثيين، وهذا هو مذهب طائفة من أهل العلم وهو الصحيح؛ لأنه قسمة الله عز وجل ولا أعدل من الله بين خلقه، فالله عز وجل عدل بين عباده، ففضل الذكر على الأنثى من هذا الوجه، وليس في ذلك غضاضة على الأنثى ولا منقصة لها.
وقد تكون هناك موجبات خاصة استثناها بعض العلماء من العدل، فقالوا: إذا كان أحد الأولاد يتعلم أو يقوم على أمر من الأمور المختصة به، يحتاجها لصلاح دينه أو دنياه، فلا بأس أن يخص بالعطية، إذا كان عنده عمل ومحتاج إليه، قالوا: لأنه من العدل أنه عندما يتفرغ للعلم أن يعان على تعلمه؛ لأنه تفرغ لهذا العلم الذي فيه نفعه، ونفع العباد، وهكذا إذا تفرغ لكي يتعلم حدادةً أو صناعةً أو نحو ذلك؛ فإن والده إذا أراد أن يعطيه من أجل هذا التعلم فله أن ينفق عليه على قدر حاجته، ولا يلزم بإعطاء الأنثى مثل ما يعطيه أو نصف ما يعطيه؛ لأن الأنثى لا تعمل كعمله، فلو أعطى الأنثى مثل ما يعطيك؛ فإنه في هذه الحالة قد ظلم الذكر؛ لأن الأنثى أخذت من دون وجه ومن دون استحقاق، وعلى هذا فإن الواجب على الوالدين، أو من حق الأولاد على الوالدين العدل، سواءً كان ذلك في الجانب المعنوي، أو الجانب المادي، وكان بعض العلماء يقول: ينبغي على الوالد والوالدة أن يراعيا أحاسيس ومشاعر أولادهم، فلا يحاول الوالد أن يميل إلى ولدٍ أكثر من الآخر أثناء الحديث، أو يمازحه ويباسطهُ أكثر من الآخر، وإنما يراعي العدل في جميع ما يكون منه من التصرفات لمكان الغيرة.
نسأل الله العظيم رب العرش الكريم أن يعصمنا من الزلل، وأن يوفقنا في القول والعمل، إنه المرجو والأمل والله تعالى أعلم.