فأما مسئولية الوالدين عن الولد قبل وجوده، فإنه يجب على الوالد ويجب على الوالدة أن يحسنا الاختيار، فيختارُ الأب لأولاده أماً صالحة ترعى حقوقهم وتقوم على شئونهم، أماً أمينة تحفظ ولا تُضيع، وعلى الأم أيضاً أن تختار زوجاً صالحاً يحفظ أولادها، ويقوم على تربيتهم، فاختيار الزوج والزوجة حقٌ من حقوق الولد؛ ولذلك قال صلى الله عليه وسلم: (تنكح المرأة لأربع: لدينها وجمالها ومالها وحسبها، فاظفر بذات الدين تربت يداك) .
اظفر بذات الدين حتى ترعى الذرية، وتقوم على إصلاحها وتربيتها على نهج ربها، اظفر بذات الدين فإنها غنيمة وفوز، وكذلك المرأة تختار الزوج الصالح الذي ترضى دينه وأمانته وخلقه، وإذا أساء الرجل اختيار زوجته، ونظر إلى حظه العاجل من جمالٍ ومال، ونسي حقوق أولاده فإن الله سيحاسبه حتى ذكر بعض العلماء: أن الزوج لو اختار الزوجة وعلم أنها لا تحسن إلى ذريته من بعده فإن الله يحمِّلهُ الإثم والوزر لما يكون منها من إساءةٍ إلى ولده، وكذلك المرأة إذا لم تحسن الاختيار لزوجها، وعلمتْ أنه زوجٌ يُضيع حقوق أولاده، ففرطت وتساهلت وضيعت، فإن الله يحاسبها عما يكون من إثم ذلك الزوج وأذيته لأولادها.
فحقٌ على الوالدين أن يحسنا الاختيار، وأن يكون المنبت الطيب هو الذي يبحث عنه الإنسان، فالناس معادن، كما أخبر سيد البشر صلى الله عليه وسلم، فيهم المعدن الكريم الذي طابت أصوله، وإذا طابت الأصول طابت الفروع.
إن الأصول الطيبات لها فروعٌ زاكية والله تعالى يقول: {ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِنْ بَعْضٍ} [آل عمران:34] ، فإذا كان معدن المرأة كريماً من بيت علمٍ أو دين أو عُرِفَ بالصلاح والاستقامة فإنه نِعم المعدن، ونِعْمَ الأمينة التي ستحفظ الأولاد والذُرية في الغالب، وكذلك الرجل إذا كان مَعدنُه طيباً فإنه سيكون حافظاً لأولاده، ولا يعني هذا: أن المرأة إذا ابتليت بزوجٍ مقصِّر، أنها تيأس بل ينبغي عليها أن تحاول، وأن تستعين بالله في إصلاح ذريتها وأولادها؛ فإن الله عز وجل يقول: {يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ} [الأنعام:95] فربما يكون الزوج غير صالح، ولكن الله يخرج منه ذريةً صالحة، وقد يكون الزوج صالحاً ويخرج الله منه ذريةً غير صالحة، فقد أخرج الله من أبي جهل عكرمة، وهو من خيار أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وقائدٌ من قوّاد المسلمين، وعَظُمَ بلاؤه في الدين، وقد يخرج الميت من الحي كما في ولد نوح عليه السلام.