بالنسبة للقسم الثاني من الشروط، وهي الشروط المحرمة، فإن منها ما يفسد عقد النكاح، ومن أمثلته: أن يشترط الزوج تأقيت عقد النكاح، فيقول: أتزوجها شهراً، أو أتزوجها سنةً، أو أتزوجها نصف عام، فهذا نكاح المتعة، ويوجب فساد العقد من أصله.
ومما يوجب فساد العقد ويخالف الشرع أن يشترط البدل، فيقول: زوجتك بنتي على أن تزوجني بنتك، أو زوجتك أختي على أن تزوجني بنتك أو أختك، فهذا نكاح البدل والشغار، وهو نكاح فاسد.
فهذان النوعان عارضا الشرع، أما الأول فنكاح المتعة، وفي الصحيح عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (أنه نهى عن نكاح المتعة) ، ونكاح المتعة: هو النكاح المؤقت بزمانٍ معين، كأن يجعله إلى سنة أو إلى شهر أو إلى شهور يحدد أمدها، واختلف العلماء لو أنه تزوج المرأة وفي نيته أن يطلقها، أو جاء إلى بلدٍ ينوي الإقامة مدة، وأراد أن يتزوج ثم يسافر، وهذا كما يسميه العلماء بزواج الرّكاض، والرّكاض: هو الرجل الذي لا يستقر في أرض، كأصحاب التجارات ينزلون في الأمصار، يطلبون أرزاقاً، يتأقّت جلوسهم فيها بحسب تلك الأرزاق، فيطول مقامهم ويقصر على حسب مصالحهم، فهم غير مستقرين، فهذا النوع من النكاح وهو أن يتزوج المرأة وفي نيته أن يطلقها، لا يخلو من حالتين: الحالة الأولى: أن يخبر المرأة بنيته، أو يخبر ولي المرأة بالنية، ويتفقان على أنه يريدها لسنة، أو يريدها مدة دراسته، أو مدة إقامته في المدينة، ثم بعد ذلك يطلق، فهذا نكاح متعة، وهو محرم بالإجماع.
الحالة الثانية: لكن إذا لم يُخبِر، وتزوج المرأة وفي نيته أنه إذا اقتضت مصلحته خرج من المدينة، وأنه يطلق، فللعلماء فيه وجهان، أصحهما: أن النكاح صحيح، وأنه لا حرج عليه في ذلك؛ لعموم الأدلة؛ ولأن النهي عن التأقيت الظاهر، وأما الباطن فلم يرد فيه نهيٌ يدل على تحريمه؛ ولأن فعل السلف وما كانوا عليه مشهورٌ، أنهم كانوا يرتحلون لطلب العلم وللتجارة، وكان الرجل ينزل المصر والقرية مدة تجارته، فيتزوج بها، ثم يترك أهله ويسافر إلى بلدٍ آخر، فقالوا: إنه لا حرج عليه في ذلك، واختار هذا القول جمعٌ من المحققين، وأفتى به شيخ الإسلام رحمة الله عليه، وهو الصحيح كما ذكرنا، ولما فيه من درء كثيرٍ من المفاسد، فإن الرجل تكون عنده المرأة ضعيفة لا تطيق السفر، وقد لا ترضى بالخروج معه، ويسافر إلى بلادٍ عديدة، فيتعرض فيها إلى فتنة، وقد يسافر إلى بلد يلزم عليه المكوث والجلوس فيه، فإذا قلنا له: لا تتزوج وأنت عندك نية الطلاق، فإنه لا يأمن الوقوع في الحرام، ومصلحته تلزمه بالبقاء في هذا البلد، ولذلك كان من شرع الله التيسير على نحو هذا، خاصةً إذا عمّت به البلوى، كما هو الحال في زماننا، ولكن مع هذا قال العلماء: إنما أجزنا نكاح مثل هذا؛ لأنه ربما غير نيته وصلحت له المرأة فأخذها معه، وهذا لا شك أنه قولٌ وجيه، وأن عموم الأدلة الدالة على جواز النكاح تقتضي صحته؛ ولأن الحكم في الشرع على الظاهر، وهذا لم يظهر للمرأة ولا للولي ما يريده.
أما بالنسبة للنوع الثاني من الشروط التي توجب فساد العقد، فقال العلماء: أن يكون هناك شرطٌ يخالف شرع الله عز وجل من كل وجه، كأن يشترط ما ذكرناه أولاً أنه يؤقِّت بالمدة، أو يكون نكاح البدل وهو نكاح الشغار.
نكاح الشغار إذا اشترط وقال: أزوجك بنتي على أن تزوجني بنتك، فهذا لا يجوز، سواءً وُجِد مهر أو لم يوجد مهر، وبعض العلماء يقول: إذا وجد مهر، جاز النكاح.
وهو مرويٌ عن نافع الراوي للحديث عن ابن عمر أنه إذا كان بينهما مهرٌ فلا بأس، والصحيح أن نكاح الشغار يحرم مطلقاً، والعلة في ذلك أنه إذا تزوج المرأة في مقابل المرأة، بمجرد أن يسمع أن المرأة الثانية ظُلمت سيظلم التي تحته، فإذا ضر هذا بامرأته، ضر هذا بامرأته، وإذا آذى هذا الأخت، آذى هذا أخته، فأصبح نكاحاً مفضياً إلى الظلم، ولذلك قال العلماء: إنه تدخله المحاباة، حتى لربما زوّج البنت الصغيرة لشيخٍ كبير، أو لمن لا صلاح في دينه ولا استقامة له، ويحابيه في ذلك لمصلحة نفسه، ولذلك قالوا: لا يجوز هذا النوع من النكاح، لما ثبت في الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه نهى عن نكاح الشغار.
هناك نوعٌ ثانٍ من الشروط محرم، ولكنه لا يوجب فساد النكاح، وإنما يُلغى الشرط ويصحح العقد، ومن أمثلة ذلك: إذا تزوج المرأة واشترط الزوج أو اشترطت المرأة أن يكون المهر بشيءٍ محرمٍ شرعاً، كأن يكون المهر خمراً أو لحم خنزيرٍ أو نحو ذلك من المحرمات، فإنه يُصحّح بمهر المثل، فيُنظر إلى مثل مهر المرأة، ويُصحّح العقد به؛ لأن الأصل صحة العقد وبقاؤه، ومتى ما كان ممكناً أن نصحح العقد، فإننا نصححه؛ لأن القاعدة أن الإعمال أولى من الإهمال.
عرفنا الآن أن الشروط المحرمة منها ما يوجب فساد عقد النكاح كالمتعة والشغار، ومنها ما يوجب فساد المُسمَّى وهو المهر، ويصحح بمهر المثل.
هناك نوعٌ ثالث من الشروط يسقط ويبطل، وبعض العلماء يقول: يبطل ويبطل العقد معه، وبعضهم يقول: يبطل ويبقى العقد صحيحاً، ومن أمثلة ذلك: أن يتزوج المرأة ويشترط أن لا نفقة لها وألا يسكنها، فإن النفقة حقٌ من مقتضيات عقد النكاح، فإذا قال: أتزوجك بشرط أن لا أنفق عليك، فإنه ليس من حقه ذلك، وقد عارض شرع الله عز وجل، فيفسد هذا الشرط في قول طائفة من العلماء ويُصحح العقد، وقال بعض العلماء: يفسد العقد، والصحيح أنه يفسد الشرط دون العقد، فيبقى العقد صحيحاً، قال صلى الله عليه وآله وسلم: (كل شرطٍ ليس في كتاب الله، فهو باطل) ، وهذا يدل على أنه شرطٌ باطل، والنكاح بأصله صحيح.
وهنا مسألة وهي: أنه يتزوج المرأة ويشترط أن يكون له جزء من راتبها، أو يكون له مسمَّىً من الراتب، فهذا النوع من الشروط فيه نظر، والأصل يقتضي عدم جوازه، وذلك لما يأتي: أولاً: أنه يخالف مقتضى الفطرة، حيث أن الرجل هو الذي ينفق على المرأة، فإذا بالمرأة هي التي تنفق عليه، والله تعالى يقول: {الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ} [النساء:34] ، ولذلك قال العلماء: الأصل أن ينفق الرجل على المرأة، فإذا اشترط عليها أنها تنفق عليه، فهذا شرطٌ فاسد، وليس له حقٌ في هذا الشرط.
ثانياً: أنه يُعتبر من الظلم، وأكل المال بالباطل، والله تعالى يقول: {وَلا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ} [البقرة:188] ، فإن المال إذا دُفع، لا يُستحق إلا في مقابل، وكونه زوجاً للمرأة، لا يقتضي معاوضة بالمال، وكونه يقول: هي تعمل، وهي موظفة، وتضر بمصالحي، نقول: أنت بالخيار بين أمرين: إما أن ترضى بالإضرار بمصالحك التي في بيتك، وتسمح لها بالعمل، وإما أن تبقيها في البيت وتترك العمل.
أما أن تأخذ من مالها بدون وجه حق، فليس هناك ما يبرر هذا، ولو قيل: إن المرأة تحتاج إلى رعاية أولادها، نقول: من حقك أن تمنعها من العمل، وأن تبقى لرعاية أولادها، ونص العلماء على أن من حق الزوج أن يلزم زوجته البقاء في البيت، لأنه الأصل، وأنه إذا سمح لها بعملها فلا إشكال، فإذا لم تطب نفسه، وألزمها أن تبقى؛ فمن حقه ذلك، لكن لو كان عنده أطفال، وكانت تعمل، وأرادت العمل، فقال لها: ائتي بمن يقوم على الأطفال، من خادمةٍ أو نحوها، وتكون نفقة الخادمة عليك، فلا بأس، قالوا: لأنها في الأصل مطالبة بخدمة أولادها، فإذا كانت تريد أن توجد من يقوم مقامها في خدمة الولد، وهي الخادمة مع أمن الفتنة، والمحافظة على ما يجب أن يُحافظ عليه، فإنه حينئذٍ لا بأس، وليس الزوج آخذاً لهذا القدر من الراتب بدون حق، إنما أخذه من جهة كونها مطالبة برعاية الأولاد، وحيث أن عملها يحول بينها وبين الرعاية، فجاءت بمن يحفظ أولادها، أو يحفظ البيت من كنسٍ وتنظيفٍ وطبخ في حال غيابها، وحاجة زوجها، فحينئذٍ لا إشكال؛ لأن المعاوضة قائمة، ولا يعتبر من أكل المال بالباطل.
أما أن يقول لها هكذا: لي نصف راتبك، أو لي ربع راتبك، أو نحو ذلك، فليس هناك وجه للمعاوضة، وهو داخل في أكل المال بالباطل.
يقول العلماء: أكل المال بالباطل: أن يأخذ المال وليس في مقابله ما يوجب الأخذ، فكونه زوجاً ليس مما يوجب أخذ المال، ولو قلنا: من حقه أن يأخذ من راتبها بحكم الزوجية، لكان من حقه أن يأخذ من إرثها، وما تأخذه من والدها، وما يكون لها من الهبات؛ لأن هذا كله خارج من أصلٍ واحد، وهو مقام الزوجية، ولكن إذا اعتذر بضياع حقوقه، أو ضياع حاجته في داخل بيته من رعاية لأولاده، أو رعاية لطعامه وشرابه فنقول: تُقِم المرأة من يخدم، ويقوم بتلك الرعاية، ويكون ذلك على الوجه المعروف، ولا يأخذ من الراتب أصلاً.
هذا بالنسبة لمسألة اشتراط النفقة، والمقصود أنه لا يجوز أن يشترط الرجل على المرأة أن تنفق عليه، وإذا حصل هذا الشرط، فإنه باطل؛ لأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: (كل شرطٍ ليس في كتاب الله فهو باطل) وإن كان مائة شرط.