الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد: فإن الله تعالى فرض على المسلم القيام بالحقوق والواجبات، والوفاء بالعهود، قال سبحانه وتعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ} [المائدة:1] ، فكل ما بين المسلم والمسلم من عهدٍ وعقدٍ وشرطٍ فإنه يجب الوفاء به، إذا التزم به الطرفان أو التزم به أَحدهما، ولذلك عظّم الله ورسوله صلى الله عليه وآله وسلم أمور الشروط، حتى ثبت عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم الأمر بالوفاء بها، والقيام بحقوقها، خاصةً إذا كانت هذه الشروط في عقد النكاح والزواج، فإذا وقع الزواج والنكاح، وكان هناك شروطٌ بين الزوجين، فإن الله عز وجل حمّل كل واحدٍ منهما الوفاء بما عليه من شرط.
ولا يجوز للمسلم أن ينكث العهد ويُخلِف الوعد ولا يفي بشرط إلا إذا كان مضطراً، وأذن له الطرف الثاني، كما سيأتي إن شاء الله تفصيله.
فالأصل أنه ليست من شيمة المسلم أن يضيع الشروط التي التزم بها، ولذلك قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه وأرضاه: (مقاطع الحقوق عند الشروط) أي: أن الله سبحانه وتعالى جعل على كل إنسانٍ التزم بالشرط، جعل عليه حقاً أن يوفي بذلك الشرط، فإذا وفى بالشرط فقد أدى الحق كاملاً إلى أهله، ومن عادة الناس في عقود الزواج والأنكحة، أنه تقع بينهم شروط، فيشترط ولي المرأة على الزوج شروطاً، ويشترط الزوج على زوجته شروطاً، وحينئذٍ يرد السؤال عن موقف الشرع من هذه الشروط: ما الذي أذن الله به، فيفعل ويلزم الوفاء به؟ وما الذي نهى الله عنه، فلا يجوز اشتراطه، ولا يجوز الالتزام به؟ ومن هنا كان من الأهمية بمكان أن يعتنى عند بيان حقوق الزواج، ببيان الشروط؛ لأن الشرط نوعٌ من الحق، فإذا كانت الحقوق يلزم الوفاء بها، كذلك الشروط يلزم الوفاء بها، ومن هنا قال العلماء: إن الحقوق في الزواج منها ما هو شرعي، جعله الله عز وجل في أصل العقد، ومن لوازم العقد ومقتضياته، ومنها ما هو جعلي، بمعنى: أنه جعله الزوجان أو واحد منهما، فهذا الذي جُعل من الطرفين، أو من أحدهما، هو محل حديثنا اليوم، وهو الذي سنبين موقف الشرع منه، فالشروط في النكاح تنقسم إلى قسمين: القسم الأول: شروطٌ شرعية، ينبغي الوفاء بها، ويلزم الطرفان أن يقوما بحقوقها.
القسم الثاني: شروطٌ غير شرعية، وهي الشروط المحرمة.