فقه الاسره (صفحة 21)

حكم طلاق الزوجة لأمر الوالدين بذلك

Q ما الحكم فيما إذا طلب أحد الوالدين من الابن طلاق زوجته؟

صلى الله عليه وسلم باسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه.

أما بعد: فإذا كانت الزوجة سيئة في دينها أو سيئة في خلقها ووجد الموجب لتطليقها، فأمر الوالد أو أمرت الوالدة، فعلى الابن أن يَبُرّ والديه؛ وذلك لأن هذا الأمر مبنيٌ على تقوى الله عز وجل، وعليه أن يطيع والديه ويطلق زوجته، والله سيبدله خيراً منها، وقد ثبت في الصحيح في قصة إبراهيم: (لما أتى إلى زوجة إسماعيل، فسألها عن حالها، فذمته وعابته وانتقصته، فقال: إذا جاء إسماعيل أقرئيه مني السلام، وقولي له: ليغير عتبة داره، فلما جاءها أخبرته فسألها عن صفاته، فأخبرته فقال: ذاك أبي، وقد أمرني أن أطلقكِ فطلقها.

ثم جاء بعد ذلك إلى المرأة الثانية وهي لا تعرفه، فسألها عن حالها، فحمدت وأثنت على بعلها -وهذه عاقبة من يتقي الله عز وجل ومن يصبر ولا شك أن الثناء في محله، فإنه نبي أثنى الله عليه وزكاه من فوق سبع سماوات- فلما أثنت عليه، قال لها: أقرئيه مني السلام، وقولي له: ليثبت عتبة داره، فلما جاءها وقصت عليه القصة، قال: ذاك أبي، وقد أمرني أن أحسن إليكِ، وأن أبقيكِ، فأبقاها) .

فالأب له حق، والأم لها حق، ويمكن أن يشك الإنسان أو يدخله الريب في نصيحة أحد؛ ولكن الوالدين لا يستطيع أن يشك أو يمتري في حُسنِ نظرهما له، بمعنى أن عاطفة الوالدين في الغالب ترجو للولد كل خير، فلا يمكن أن يتهم الولد والديه أنهما يريدان السوء به، فإذا رأى الوالد أو الوالدة يشيران عليه بطلاقها، وهي على غير خير وعلى غير استقامة، فإنه يبر والديه ويطلق المرأة، ويبدلهُ الله بفضل البر خيراً منها.

وأما إذا كانت المرأة صالحة ومستقيمة، والوالدان يأمران بطلاقها، فحينئذٍ يبر والديه ويمسك زوجته، فنأمر بما أمر الله به، (يبر والديه) بمعنى: أن يتلطف ويُحسن التذكير لهما بالله؛ لأن من البر أن يأخذ بحجزهما عن النار، فإذا هُدم البيت تشتت شمل الأسرة، ونال الوالدان الإثم، فيبر والديه؛ ويُذكرهما بالله، ويخوفهما من عذاب الله، حتى يستطيع أن يصل إلى رضاهما والقناعة ببقائها، فيبقي زوجته، ما دامت أنها صالحة دينة مستقيمة، فمثلها يكرم ولا يُهان ويُستمسكُ به ولا يفرط فيه.

والله تعالى أعلم.

ذكروا عن الإمام أحمد رحمةُ الله عليه، أنه جاءه رجل وقال: إن أبي يسألني أن أطلق زوجتي، فسأله عن زوجته فإذا هي صالحة، فقال: أمسكها، فقال: أوليس عمر قد أمر ابنه عبد الله أن يطلق زوجته فطلقها، فقال: إذا كان أبوك مثل عمر فطلقها.

أي: إذا كان أبوك يتقي الله مثل عمر الفاروق رضي الله عنه وأرضاه ويأمر بالطلاق لموجب ولأمر صحيح، فطلقها، أما أن يستغل وجوده، وتصبح نساء المؤمنين يطلقن، وتهدم بيوت المسلمين على السفه وعلى غير روية وبالظلم وبالاضطهاد، ويُجمع للمرأة بين ظلمها وهي زوجة وظلمها وهي مكسورةٌ مطلقة، فهذا لا شك أنه لا يرضي الله عز وجل، ولا يرضى الله بمثل هذا.

والله تعالى أعلم.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015