ثانياً: أنَّ أمرَه صلى الله عليه وسلم بعدم الغضب فيه أمرٌ بعدم تنفيذ الغضب؛ لأنَّ الغضبَ غالباً لا يتمكَّن الإنسانُ من دفعه وردِّه، ولكنَّه يتمكَّن من عدم تنفيذه، فعليه أن يَمنعَ نفسَه من الأقوال والأفعال المحرَّمة التي يجرُّ الغضبُ إليها، فمتى منع نفسَه من آثار الغضب الضارَّة، فكأنَّه في الحقيقة لَم يغضب، قال الله تعالى: {وَإِذَا مَا غَضِبُوا هُمْ يَغْفِرُونَ} 1، وفي الحديث: " ليس الشَّديد بالصرعة، إنَّما الشَّديد من يملك نفسه عند الغضب"2.

ولهذا كان الرسول صلى الله عليه وسلم يوَجَّه ويأمرُ مَن غضب بفعل الأسباب التي تدفعُ الغضبَ وتسكنه، ويأمرُ بالتعوُّذ بالله من الشيطان الذي يُحرِّك الغضبَ في القلوب، ويُثير الفتنَ ويدعو إلى الشرِّ والفساد.

روى البخاري ومسلم عن سُليمان بن صُرَد رضي الله عنه قال: "اسْتَبَّ رَجُلاَنِ عِنْدَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَنَحْنُ عِنْدَهُ جُلُوسٌ، وَأَحَدُهُمَا يَسُبُّ صَاحِبَهُ مُغْضَباً قَدِ احْمَرَّ وَجْهُهُ، فَقَالَ النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم: إِنِّي لأَعْلَمُ كَلِمَةً لَوْ قَالَهَا لَذَهَبَ عَنْهُ مَا يَجِدُ، لَوْ قَالَ: أَعُوذ بِاللهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ. فَقَالُوا لِلرَّجُلِ: ألاَ تَسْمَعُ مَا يَقُولُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: إِنِّي لَسْتُ بِمَجْنُونٍ"3.

وفي الحديث دلالةٌ على أنَّ الغضبَ من نزغ الشيطان، وأنَّ مَن حصل له الغضبُ ينبغي له أن يستعيذ بالله منه، كما يدلُّ على ذلك قول الله تعالى: {وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} 4.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015