وتفويض الأمور كلِّها إليه، والتبرؤُ من الحول والقوة إلاَّ به، ولهذا تعبّد اللهُ عبادَه بذكره بهذه الكلمة العظيمة التي هي باب عظيم من أبواب الجنَّة وكنز من كنوزها.
فهي كلمةٌ عظيمةٌ تعني الإخلاص لله وحده بالاستعانة، كما أنَّ كلمةَ التوحيد لا إله إلا الله تعني الإخلاص لله بالعبادة، فلا تتحقق لا إله إلا الله إلاَّ بإخلاص العبادة كلِّها لله، ولا تتحقّق لا حول ولا قوة إلاَّ بالله إلاَّ بإخلاص الاستعانة كلِّها لله، وقد جمع الله بين هذين الأمرين في سورة الفاتحة أفضل سورة في القرآن وذلك في قوله: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} ، فالأول تبرؤٌ من الشرك، والثاني تبرؤٌ من الحول والقوة والتفويض إلى الله عز وجل، والعبادة متعلّقة بألوهية الله سبحانه، والاستعانة متعلّقة بربوبيّته، العبادةُ غاية، والاستعانة وسيلة، فلا سبيل إلى تحقيق تلك الغاية العظيمة إلاَّ بهذه الوسيلة: الاستعانة بالله الذي لا حول ولا قوة إلاَّ به، ولهذا يخطئ من يستخدمها في غير بابها، أو يجعلها في غير مقصودها، قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: "وذلك أنَّ هذه الكلمة (أي: لا حول ولا قوة إلاَّ بالله) هي كلمة استعانة لا كلمة استرجاع، وكثيرٌ من الناس يقولها عند المصائب بمنزلة الاسترجاع، ويقولها جزعاً لا صبراً"1.
وعلى هذا المعنى المُشار إليه يدور فهمُ السلف رحمهم الله لهذه الكلمة العظيمة، أخرج ابن أبي حاتم في تفسيره عن ابن عباس رضي