حلاوة الطاعة، وقال بعضهم: هي المعرفة بالله. وقد قال ابن الجوزي في تفسيره لهذه الآية: اختلفوا أين تكون هذه الحياة الطيبة على ثلاثة أقوال:
أحدها أنها في الدنيا: رواه العوفي عن ابن عباس، ثم فيها للمفسرين تسعة أقوال: أحدها: أنها القناعة، قاله علي وابن عباس في رواية والحسن في رواية ووهب بن منبه.
والثاني: أنها الرزق الحلال، رواه أبو مالك عن ابن عباس، وقال الضحاك: يأكل حلالاً ويلبس حلالاً.
والثالث: أنها السعادة، رواه علي بن أبي طلحة عن ابن عباس.
والرابع: أنها الطاعة قاله عكرمة.
والخامس: أنها رزق يوم بيوم، قاله قتادة.
والسادس: أنها الرزق الطيب والعمل الصالح، قاله إسماعيل بن أبي خالد.
والسابع: أنها حلاوة الطاعة قاله أبو بكر الوراق.
والثامن: العافية والكفاية.
والتاسع: الرضا بالقضاء ذكرهما الماوردي.
والثاني أنها في الآخرة: قاله الحسن ومجاهد وسعيد بن جبير وقتادة وابن زيد وذلك إنما يكون في الجنة.
والثالث أنها في القبر: رواه أبو غسان عن شريك. انتهى.
والصواب من ذلك -والله أعلم- أن الحياة الطيبة هي العيش في طاعة الله، والبعد عن معصيته، لأن ذلك يحقق له السعادة وانشراح الصدر، والحياة لا تكون طيبة بدون سعادة، ولا سعادة إلا في ذلك، قال الله عز وجل: وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى [طه:124].
وأمامنا أعظم مثل وهو الرسول صلى الله عليه وسلم فقد مات ودرعه مرهونة عند يهودي، وكثير من أصحابه كانوا فقراء، فهل كان هذا بسبب عدم طاعتهم وتقواهم؟ أم كان بعدم حب الله لهم؟ والحق أن الأمر ليس كذلك، لأن إغداق النعم ليس دليلاً على التكريم، كما أن منعها ليس دليلاً على الإهانة، قال حافظ الحكمي في السبل السوية في فقه السنن المروية:
لو كان في الفقر ازدراء لم ير ... آلُ النبي والصحاب فقراً