تعالى قد يمنع عبده الدنيا رحمة به وحماية له من أضرارها كما يحمي الناس بعض المرضى من الماء إذا كان يضر بهم، ففي الحديث: إذا أحب الله عبدًا حماه الدنيا كما يظل أحدكم يحمي سقيمه الماء. رواه الترمذي والحاكم وصححه الحاكم، ووافقه الذهبي والألباني.
5/ وتارة يقع البلاء بالمؤمن لتنبيه العبد وتوجيهه ومن ذلك قوله تعالى (وَبَلَوْنَاهُمْ بِالْحَسَنَاتِ وَالسَّيِّئَاتِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ).
6/ وتارة يقع البلاء بالمؤمن للتمكين والإمامة فى الأرض ومن ذلك قوله تعالى (وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ أَنجَاكُمْ مِّنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذَابِ وَيُذَبِّحُونَ أَبْنَآءَكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِسَآءَكُمْ وَفِي ذالِكُمْ بَلاءٌ مِّن رَّبَّكُمْ عَظِيمٌ) وكان عاقبة هذا البلاء العظيم (وَأَوْرَثْنَا الْقَوْمَ الَّذِينَ كَانُوا يُسْتَضْعَفُونَ مَشَارِقَ الأَرْضِ وَمَغَارِبَهَا الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ الْحُسْنَى عَلَى بَنِي إِسْرَأَىئِيلَ بِمَا صَبَرُوا وَدَمَّرْنَا مَا كَانَ يَصْنَعُ فِرْعَوْنُ وَقَوْمُهُ وَمَا كَانُوا يَعْرِشُونَ) وكذلك قوله تعالى (وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآَيَاتِنَا يُوقِنُونَ).
الركن الرابع: ثبوت الأجر بمجرد حصول المصيبة: روى أبو هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ما يصيب المسلم من نصب ولا وصب ولا هم ولا حزن ولا أذى ولا غم حتى الشوكة يشاكها إلا كفر الله بها من خطاياه. متفق عليه.
قال ابن حجر العسقلاني: والأحاديث الصحيحة صريحة في ثبوت الأجر بمجرد حصول المصيبة، وأما الصبر والرضا فقدر زائد يمكن أن يثاب عليهما زيادة على ثواب المصيبة، قال القرافي: المصائب كفارات جزماً سواء اقترن بها الرضا أم لا، لكن إن اقترن بها الرضا عظم التكفير وإلا قلّ، كذا قال، والتحقيق أن المصيبة كفارة لذنب يوازيها، وبالرضا يؤجر على ذلك، فإن لم يكن للمصاب ذنب عُِّوض عن ذلك من الثواب بما يوازيه ..... انتهى فتح الباري.
الركن الخامس: للتمييز بين العقوبة والابتلاء لرفعة الدرجة في حق المؤمن:
إن كان العبد قائماً بأمر الله، متمسكاً بشرعه، مستقيماً على دينه، فنرجو أن يكون ما أصابه من مصائب رفعة له في الدرجات، ومُثقلاً لموازين حسناته , وأما إن كان العبد مُقيماً على معصية الله، مُفرطاً في دينه، لاهياً عابثاً، فقد تكون المصائب والآفات التي يُبتلى بها تنبيهاً له من الله ليتوب ويرجع قبل فوات الأوان، وقد تكون عقوبة له في الدنيا نظير ظلمه لنفسه , وكل ما سبق لا نقطع به، ولكن نستشرفه من قرائن الأحوال.
هذا، وإن الواجب على العبد أن إذا أصيب بمصيبة أن يقابلها بالصبر الجميل، فلا يسخط ولا يجزع؛ فإنه غانم على جميع الاحتمالات إن هو صبر واحتسب، فما