وإذا قيل: فلان فعل بفلان أو بفلانة، كذبه واحد، وصدقه تسعمائة وتسعة وتسعون، وخبر العاشق المتهتك عن غير المتهتك عند الناس في هذا الباب يفيد القطع واليقين، بل إذا أخبرهم المفعول به عن نفسه كذبًا وافتراء على غيره جزموا بصدقه جزمًا لا يحتمل النقيض. بل لو جمعهما مكان واحد اتفاقًا، جزموا أن ذلك عن وعد واتفاق بينهما، وجزمهم في هذا الباب على الظنون والتخييل والشبهة والأوهام والأخبار الكاذبة كجزمهم بالحسيات المشاهدة، وبذلك وقع أهل الإفك في الطيبة المطيبة، حبيبة رسول اللَّه - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، المبرأة من فوق سماوات، بشبهة مجيء صفوان بن المعطل بها وحده خلف العسكر، حتى هلك من هلك، ولولا أن تولى اللَّه سبحانه براءتها والذب عنها وتكذيب قاذفها لكان أمرًا آخر.
والمقصود: أن في إظهار المبتلى عشق من لا يحل له الاتصال به من ظلمه وأذاه ما هو عدوان عليه وعلى أهله (?)، وتعريض لتصديق كثير من الناس ظنونهم فيه، فإن استعان عليه بمن يستميله إليه، إما برغبة أو رهبة تعدى الظلم وانتشر، وصار ذلك الواسطة ديوثًا ظالمًا، وإذا كان النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قد لعن الرائش - وهو الواسطة بين الراشي والمرتشي لإيصال الرشوة - فما الظن بالديوث الواسطة بين العاشق والمعشوق في الوصلة المحرمة؟ فيساعد العاشق على ظلم المعشوق مع غيره ممن يتوقف حصول غرضهما على ظلمه في نفس أو مال أو عرض، فإن كثيرًا ما يتوقف حصول غرضه المطلوب على قتل نفس يكون حياتها مانعة من غرضه، وكم قتيل طل (?) دمه بهذا السبب من زوج وسيد وقريب، وكم خببت امرأة على بعلها وجارية وعبد على سيدهما، وقد لعن رسول اللَّه - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - من فعل ذلك وتبرأ منه، وهو من أكبر الكبائر، وإذا كان النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قد نهى أن يخطب الرجل على خطبة أخيه، وأن يسوم على سومه (?) فكيف بمن يسعى بالتفريق بينه وبين امرأته وأمته حتى يتصل بهما؟ وعشاق الصور ومساعدوهم من الديثة لا يرون ذلك ذنبًا، فإن في طلب العاشق وصل معشوقه مشاركة الزوج والسيد، ففي ذلك من إثم ظلم الغير ما لعله لا يقصر عن إثم الفاحشة، إن لم يَرْبُ عليها، ولا يسقط حق الغير بالتوبة من الفاحشة، فإن