ومنها مدينة عين شمس، وهي هيكل الشمس، وبها العمودان اللذان لم ير أعجب منهما ولا من شأنهما، فإنهما محمولان على وجه الأرض ليس لهما أساس، وطولهما في السماء نحو خمسين ذراعاً، فيهما صورة إنسان على دابة، وعلى رأسهما شبه الصومعتين، من نحاس، فإذا جرى النيل قطر من رأسهما ماء، وتستبينه وتراه منهما واضحاً ينبع.

ومنها. الفرما، وهي أكثر عجائب وأقدم آثاراً، ويذكر أهل مصر أنه كان منها طريق إلى جزيرة قبرس في البر، فغلب عليها البحر.

ويقولون: غلب البحر على مقطع الرخام الأبلق، وأن مقطع الأبيض بلوبية.

قال يحيى بن عثمان: كنت أرابط بالفرما، وكان بينها وبين البحر قريب من يوم، يخرج الناس والمرابطون في أخصاص على الساحل، ثم علا البحر على ذلك كله.

وقال ابن قديد: توجه ابن المدبر وكان بتنيس إلى الفرما في هدم أبواب من حجارة شرقي الحصن احتاج أن يعمل منها جيرا. فلما قلع منها حجراً أو حجرين خرج إليه أهل الفرما بالسلاح فمنعوه من قلعها، وقالوا هذه الأبواب التي قال الله عز وجل فيها على لسان يعقوب: " وقال يا بني لا تدخلوا من باب واحد وادخلوا من أبواب متفرقة ".

وبالفرما نخلها العجيب الذي يثمر حين ينقطع البسر والرطب من ثائر الدنيا، فيبتدئ هذا الرطب من حين يلد النخل في الكوانين، فلا ينقطع أربعة أشهر حتى يجيء البلح في الربيع. ولا يوجد ذلك في بلد من البلدان، لا بالبصرة ولا بالحجاز ولا باليمن، ولا بغيرها من البلدان. ويكون هذا في البسرمازون البسرة منه عشرون درهماً وأكثر. وفيه ما يكون طول البسرة منه قريباً من فتر.

وقال ابن التختكان: أربع كور بمصر ليس على وجه الأرض أفضل منها ولا تحت السماء لها نظير، كورة الفيوم، وكورة أتريب، وكورة سمنود، وكورة صا.

خراج مصر

وأما خراجها فجباها عمرو بن العاص أول سنة فتحها عشرة آلاف ألف دينار، وكتب إليه عمر بن الخطاب يعجز رأيه ويقول: جبيت للروم عشرين ألف ألف دينار، فلما كان في العام المقبل جباها اثني عشر ألف ألف دينار، فلما عزل عثمان عمراً منها، وولي عبد الله بن أبي سرح، زاد على القبط في الخراج والمؤن، فبلغت أربعة عشر ألف ألف دينار، فقال عثمان لعمرو. درت اللقحة، فقال عمرو: وأضررتم بالفصيل، فأدبرت منه يومئذ، ولم تزل تنقص إلى اليوم. فما جبيت في أيام بني أمية وبني العباس إلا دون الثلاثة الآلاف ألف دينار غير ولاية أمير المؤمنين هشام، فإنها جباها ابن الحبحاب أربعة آلاف ألف، وولاية بني طولون بالغوا في عمارتها فجباها أبو الجيش أربعة آلالف ألف دينار.

وولي خراجها ابن الحبحاب لأمير المؤمنين هشام، فخرج بنفسه فمسح أرض مصر كلها عامرها وغامرها مما يركبه النيل فوجد فيها ثلاثين ألف ألف فدان.

وقال الليث بن سعد: ولي الخراج الوليد بن رفاعة لأمير المؤمنين هشام، فخرج لإحصاء الجماجم والقرى، فأقام ستة أشهر بالصعيد، وبأسفل الأرض ثلاثة أشهر، فأحصى فوق عشرة آلاف قرية، أصغر قرية فيها خمسمائة جمجمة من القبط، تكون جملة ذلك خمسة آلاف ألف.

وولي الخراج أسامة بن يزيد لأمير المؤمنين سليمان، فكتب إليه أن احلب الدر حتى ينقطع، واحلب الدم حتى ينصرم. فذلك أول شدة أصابت أهل مصر، فقال سليمان يوماً وقد أعجبه ما فعل أسامة: أسامة لا يرتشي ديناراً ولا درهماً، فقال له عمر بن عبد العزيز: أنا أدلك على من هو شر من أسامة ولا يرتشي ديناراً ولا درهماً؛ قال: من هو؟ قال: عدو الله إبليس، فغضب سليمان وقام من مجلسه، فلما توفي أمير المؤمنين سليمان بن عبد الملك وولي عمر بن عبد العزيز وجه في عزل أسامة قبل دفن سليمان وولي حيان بن شريح، وأمره أن يحبس أسامة في كل جند ستة أشهر، وأسامة بنى المقياس القديم.

وكتب المنصور إلى محمد بن سعيد: وكان يلي خراج مصر يستحثه بالخراج، فكتب إليه يشكو اختلالها، وأنها تحتاج إلى إنفاق فإنها ترد أضعاف ما ينفق فوافق ذلك خروج بن الحسن فكتب إليه:

لا تكسع الشول بأغبارها ... إنك لا تدري من الناتج

فزاد ذلك في انكسارها واختلالها.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015