أخبرنا أبو محمد عبد الرحمن بن عمر بن محمد المعدل المعروف بابن النحاس أخبرنا عمر بن أبي محمد بن يوسف بن يعقوب الكندي المصري رحمه الله، قال: هذا كتاب أمر بجمعه وحض على تأليفه أبو المسك كافور، يذكر فيه مصر وما خصها الله به من الفضل والبركات والخيرات، على سائر البلدان، فزاد الله الأستاذ رغبة في العلم، ولأهله محبة، وعليه مثابرة وشهوة، فمثله رغب في مثله، وحث على جمعه. إذ كان أردشير زمانه في السياسة والعمارة، وواحد دهره في عدله ورأفته، ورفقه برعيته، فلا أزال الله عنا ظله، وأمتعنا ببقائه، ودوام أيامه، وجعل ما خصه به من الفضل في دنياه، موصولا بأخراه.
فجمعت ما أمر به من كتب شيوخ المصريين وغيرهم من أهل العلم والخبرة، والبحث والذكاء والفطنة، والتفتيش والرحلة والطلب.
فمن مشهوريهم: يزيد بن أبي حبيب، وعبيد الله بن أبي جعفر. وبعدهما: الليث بن سعد، وعبد الله بن لهيعة.
وبعدهما: سعيد بن كثير بن عفير، وعثمان بن صالح السهمي.
وبعدهما: خلف بن ربيعة، وعبد الرحمن بن ميسرة، وأحمد بن يحيى بن الوزير، وأبو خيثمة علي بن عمرو بن خالد.
وبعد هذه الطبقة: يحيى بن عثمان بن صالح، وعبيد الله بن سعيد بن كثير بن عفير.
وبعدهما: علي بن الحسن بن خلف بن قديد، ومحمد بن الربيع ابن سليمان الجيزي.
وبعدهما: أبو عمر محمد بن يوسف بن يعقوب الكندي، وأبو سعيد عبد الرحمن بن أحمد بن يونس بن عبد الأعلى فأعلمت نفسي فيما تأدى إلى من الأخبار لمن ذكرتهم ورواياتهم، وألفته واختصرت المتون، وأسقطت الأسانيد؛ لتتسق أخباره، ويسهل استماعه، وتقرب فائدته، على اسم الله وعونه والصلاة على نبينا محمد وعلى آله.
فأقول: فضل الله مصر على سائر البلدان، كما فضل بعض الناس على بعض والأيام والليالي بعضها على بعض، والفضل على ضربين: في دين أو دنيا، أو فيهما جميعا، وقد فضل الله مصر وشهد لها في كتابه بالكرم وعظم المنزلة وذكرها باسمها وخصها دون غيرها، وكرر ذكرها، وأبان فضلها في آيات من القرآن العظيم، تنبئ عن مصر وأحوالها، وأحوال الأنبياء بها، والأمم الخالية والملوك الماضية، والآيات البينات، يشهد لها بذلك القرآن، وكفى به شهيداً، ومع ذلك روى عن النبي صلى الله عليه وسلم في مصر وفي عجمها خاصة وذكره لقرابته ورحمهم ومباركته عليهم وعلى بلدهم وحثه على برهم ما لم يرو عنه في قوم من العجم غيرهم، وسنذكر ذلك إن شاء الله في موضعه مع ما خصها الله به من الخصب والفضل وما أنزل فيها من البركات وأخرج منها من الأنبياء والعلماء والحكماء والخواص والملوك والعجائب بما لم يخصص الله به بلداً غيرها، ولا أرضا سواها، فإن ثرب علينا مثرب بذكر الحرمين، أو شنع مشنع، فللحرمين فضلهما الذي لا يدفع، وما خصهما الله به مما لا ينكر من موضع بيته الحرام، وقبر نبيه عليه الصلاة والسلام، وليس ما فضلهما الله به بباخس فضل مصر ولا بناقص منزلتها، وإن منافعها في الحرمين لبينة لأنها تميرهما بطعامها وخصبها وكسوتها وسائر مرافقها، فلها بذلك فضل كبير، ومع ذلك فإنها تطعم أهل الدنيا ممن يرد إليها من الحاج طول مقامهم يأكلون ويتزودون من طعامها من أقصى جنوب الأرض وشمالها ممن كان من المسلمين في بلاد الهند والأندلس وما بينهما، لا ينكر هذا منكر، ولا يدفعه دافع، وكفى بذلك فضلا وبركة في دين ودنيا.
فأما ما ذكره الله عز وجل في كتابه مما اختصرناه من ذكر مصر. فقول الله تعالى: " وأوحينا إلى موسى وأخيه أن تبوءا لقومكما بمصر بيوتاً واجعلوا بيوتكم قبلة " وما ذكره الله عز وجل حكاية عن قول يوسف: " ادخلوا مصر إن شاء الله أمنين " وقال عز وجل: " اهبطوا مصراً فإن لكم ما سألتم " وقال تعالى: " وجعلنا ابن مريم وأمه أيةً وأوينهما إلى ربوةٍ ذات قرار ومعين " قال بعض المفسرين: هي مصر. وقال بعض علماء مصر: هي البهنسا. وقبط مصر مجمعون على أن المسيح عيسى بن مريم وأمه عليهما السلام كانا بالبهنسا وانتقلا عنها إلى القدس.
وقال بعض المفسرين: الربوة دمشق، والله أعلم.
وقال تعالى: " وقال الذي اشتراه من مصر لامرأته أكرمي مثواه ".