لَيْلَة وَاحِدَة بَين أَن يصبر عَنهُ تِلْكَ اللَّيْلَة مُجَاهدًا نَفسه ثمَّ يخلى بَينه وَبَينه ألف لَيْلَة فَكيف لَا يسهل عَلَيْهِ الصَّبْر لَيْلَة وَاحِدَة لتوقع التَّلَذُّذ بمشاهدته ألف لَيْلَة وَلَو استعجل تِلْكَ اللَّيْلَة وَعرض نَفسه لعناء الْمُفَارقَة ألف لَيْلَة لعد سَفِيها خَارِجا عَن حزب الْعُقَلَاء فالدنيا معشوقة كلفنا الصَّبْر عَنْهَا مُدَّة يسيرَة ووعدنا أَضْعَاف هَذِه اللَّذَّات مُدَّة لَا آخر لَهَا وَترك الْألف بِالْوَاحِدِ لَيْسَ من الْعقل وَاخْتِيَار الْألف على الْوَاحِد الْمُعَجل لَيْسَ بمتعذر على الْعَاقِل وَعند هَذَا يَنْبَغِي أَن يقيس الانسان أقْصَى مُدَّة مقَامه فِي الدُّنْيَا وهى مائَة سنة مثلا وَمُدَّة مقَامه فِي الاخرة وَلَا آخر لَهَا بل لَو طلبنا مِثَالا لطول مُدَّة الْأَبَد لعجزنا عَنهُ إِلَّا أَن نقُول لَو قَدرنَا الدُّنْيَا كلهَا إِلَى مُنْتَهى السَّمَوَات ممتلئة بالذرة وقدرنا طائرا يَأْخُذ بمنقاره فِي كل ألف سنة حَبَّة وَاحِدَة فَلَا يزَال يعود حَتَّى لَا يبْقى من الذّرة حَبَّة وَاحِدَة فتنقضي هَذِه الْمدَّة وَقد بقى من الذّرة اضعافها فَكيف لَا يقدر الْعَاقِل إِذا حقق على نَفسه هَذَا الامر على أَن يستحقر الدُّنْيَا ويتجرد لله تَعَالَى هَذَا لَو قد قدر بَقَاء الْعُمر مائَة سنة وقدرت الدُّنْيَا صَافِيَة عَن الاقذاء فَكيف وَالْمَوْت بالمرصاد فِي كل لَحْظَة وَالدُّنْيَا غير صَافِيَة من ضروب التَّعَب والعناء وَهَذَا امْر يَنْبَغِي أَن يطول التامل فِيهِ حَتَّى يترسخ فِي الْقلب وَمِنْه تنبعث التَّقْوَى وَمَا لم يظْهر للانسان حقارة الدُّنْيَا لَا يتَصَوَّر مِنْهُ أَن يسْعَى للدَّار الاخرى وَيَنْبَغِي أَن يستعان على معرفَة ذَلِك بِالِاعْتِبَارِ بِمن سلف من أَبنَاء الدُّنْيَا كَيفَ تعبوا فِيهَا ثمَّ ارتحلوا عَنْهَا بِغَيْر طائل وَلم تصحبهم إِلَّا الْحَسْرَة والندامة وَلَقَد صدق من قَالَ من الشُّعَرَاء حَيْثُ قَالَ أَشد الْغم عِنْدِي فِي سرُور تَيَقّن عَنهُ صَاحبه انتقالا وَهَذِه حَال لذات الدُّنْيَا
الْوَظِيفَة الثَّالِثَة أَن معنى خلَافَة الله على الْخلق اصلاح الْخلق وَلنْ يقدر على اصلاح اهل الدُّنْيَا من لَا يقدر على اصلاح اهل بَلَده وَلنْ يقدر على اصلاح اهل الْبَلَد من لايقدر على اصلاح اهل منزله وَلَا يقدر على اصلاح اهل منزله من لايقدر على اصلاح نَفسه وَمن لَا