هَا هُنَا وَأَشَارَ إِلَى صَدره وَيَنْبَغِي أَن يكون الِاجْتِهَاد فِي إصْلَاح الْقلب أَولا إِذْ صَلَاح الْجَوَارِح تَابع لَهُ لقَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِن فِي بدن ابْن آدم لبضعة إِذا صلحت صلح لَهَا سَائِر الْجَسَد وَإِذا فَسدتْ فسد لَهَا سَائِر الْجَسَد أَلا وَهِي الْقلب وَإِصْلَاح الْقلب شَرطه تقدم تَطْهِيره عَلَيْهِ وطهارته فِي أَن يطهر عَن حب الدُّنْيَا لقَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حب الدُّنْيَا رَأس كل خَطِيئَة وَهَذَا هُوَ الدَّاء الَّذِي أعجز الْخلق وَمن ظن أَنه يقدر على الْجمع بَين التنعم فِي الدُّنْيَا والحرص على تَرْتِيب أَسبَابهَا وَبَين سَعَادَة الْآخِرَة فَهُوَ مغرور كمن يطْمع فِي الْجمع بَين المَاء وَالنَّار لقَوْله أَمِير الْمُؤمنِينَ رضى الله عَنهُ الدُّنْيَا وَالْآخِرَة ضرتان مهما أرضيت إِحْدَاهمَا أسخطت الْأُخْرَى نعم لَو كَانَ الْإِنْسَان يشْتَغل بالدنيا لأجل الدّين لَا لأجل شَهْوَته كمن يصرف عمره إِلَى تَدْبِير مصَالح الْخلق شَفَقَة عَلَيْهِم أَو يصرف بعض أوقاته إِلَى كسب الْقُوت وَنِيَّته فِي كسب الْقُوت إِلَى أَن يتقوى بتناوله على الطَّاعَة وَالتَّقوى فَهَذَا من عين الدّين وعَلى هَذَا الْمِنْهَاج جرى حرص الْأَنْبِيَاء وَالْخُلَفَاء الرَّاشِدين فِي أُمُور الدُّنْيَا وَمهما ثَبت أَن الزَّاد هُوَ التَّقْوَى وَأَن التَّقْوَى شَرطهَا خلو الْقلب عَن حب الدُّنْيَا فَلْيَكُن الْجهد فِي تخليته عَن حبها وَطَرِيقه أَن يعرف الْإِنْسَان عيب الدُّنْيَا وآفتها وَيعرف شرف السَّعَادَة فِي الدَّار الْآخِرَة وَزينتهَا وَيعلم أَن فِي مُرَاعَاة الدُّنْيَا الحقيرة فَوت الْآخِرَة الخطيرة وَأَقل آفَات الدُّنْيَا وَهِي مستيقنة لكل عَاقل وجاهل أَنَّهَا منقضية على الْقرب وسعادة الْآخِرَة لَا آخر لَهَا هَذَا إِذا سلمت الدُّنْيَا صَافِيَة عَن الشوائب والأقذاء خَالِيَة عَن المؤذيات والمكدرات وهيهات هَيْهَات فَلم يسلم أحد فِي الدُّنْيَا من طول الْأَذَى ومقاساة الشدائد وَمهما عرف تصرم الدُّنْيَا وتأبد السَّعَادَة فِي العقبى فَلْيتَأَمَّل أَنه لَو شغف إِنْسَان بشخص واستهتر بِهِ وَصَارَ لَا يطبق فِرَاقه وَخير بَين أَن يعجل لقاءه