أحد، وأجوافهم من شرب الخمر وأكل ما لا يحل ... وجدهم في هذا كله عجباً. فسأل: ما دينهم؟ فخبّروه بأنهم مسلمون، ولخصوا له الإسلام، وقرؤوا عليه آيات من القرآن الكريم، وأسمعوه من كلام الرسول صلى الله عليه وسلم ورووا له سيرته وسير أصحابه. وكان مما نقلوه إليه شيئاً من كلامي، وأخرج صحيفة فيها بلسانهم ترجمة لما كنت قلته في مقدمة كتابي «أبو بكر الصديق».
ومما جاء في تلك المقدمة: إن سر الإسلام بدأ في هذه الأمة البادية الجاهلة المتفرقة، فجعل منها أمة لم يكن ولن يكون لها نظير. امتزجت روح الإسلام بأرواح المسلمين وغلبت عليها، ثم استأصلت منها حب الدنيا، وانتزعت منها الطمع والحسد والغش والكذب، وأنشأت من أصحابها قوماً هم خلاصة البشر وغاية ما يبلغه السمو الإنساني. أنشأت من أصحابها قوماً يغضبون لله، ويرضون لله، ويصمتون لله، وينطقون لله، قد ماتت في نفوسهم الأهواء ومُحيت منها الشهوات، ولم يبقَ إلا دين يهدي وعقل يستهدي.
قوم كان دليلهم الدين، وقانونهم هدي سيد المرسلين، وشعارهم شعار المساكين، وعيشهم عيش الزاهدين، ثم كانت فتوحهم فتوح الملوك الجبارين، وكانوا بذلك سادة العالمين. لم يمنعهم زهدهم من أن يكونوا أبطال الحروب وسادة الدنيا، ولم يفتنهم ما نالوا من مجد وما بلغوا من جاه عن دينهم وتقواهم. قوم ينصب لهم أميرهم قاضياً فيلبث سنة لا يختصم إليه اثنان؛ لم يكونوا ليختصموا وبين أيديهم القرآن الكريم، وكل واحد منهم يعرف ما يحق له فلا يطلب أكثر منه، ويعرف ما يجب عليه فلا