غيرَ الناس.
لقد كان الأخ شاباً فشاخ، ولكن طيبته في قلبه ووفاءه لإخوانه ونُبله وفضله، لا يزال كله شاباً لا يشيخ.
وكان الحجاز على بقية من القرن الذي مضى: كانت جدة قرية كبيرة لها سور يطيف بها، وكان الطريق منها إلى مكة وعراً قطعناه بالسيارة في نهار كامل، وكانت مكة محصورة بين الجبال، وكانت البلاد محرومة (أو كالمحرومة) من خيرات هذه الحضارة الجديدة. فدخلَت الحضارة الحجازَ من أوسع باب؛ اتسع عمرانه وكبرت مدنه، ونفض يده من القرن الذي مضى ليعيش في القرن الحاضر كما تعيش أعرق البلاد في الحضارة، وانتشر العلم وفُتحت المدارس للبنين والبنات، وصار فيه جامعات.
جاءته الحضارة، ولكن جاءت معها شرورها.
كان للمشايخ فيه سلطان فما أحسنوا استعماله، فزال أو كاد. وكانوا يضيِّقون على الناس ويمنعونهم المكروه خشية الوقوع في الحرام، فواقعوا المكروه والحرام. وألزموهم في التوحيد بمنع التأويل ومحاربة الأشاعرة (وهم جمهور المسلمين)، ففَشَت فيهم فاشِيَة الإلحاد وترك الإسلام ... وكل ذلك لا يزال بذوراً في باطن الأرض أو نباتاً ضعيف الساق والجذر، ولكنه كل يوم إلى قوة، والمشايخ خاصة وأهل الدين عامة كلَّ يوم إلى ضعف.
إن هذه البذور تجد من يسقيها الماء ويجدّد لها التربة ويمدها بالغذاء، وهم المدرّسون والمدرِّسات الذين يؤتى بهم من البلاد الأخرى. إنها لا تزال المنكرات خفية غير ظاهرة، ولكن