الجامعة القومية التي تضم كل عربي، ولو تناءت الديار واختلفت الأفكار، ومنا من دعا إلى الجامعة الواسعة الشاملة، الجامعة الإسلامية.
وأنا محاول تمحيص هذه الدعوات وتقويمها والكلام عليها، لا من ناحية إمكان تحقيقها أو استحالتها، بل من جهة صحتها وبطلانها ونفعها وضررها. وليس على من يدعو إلى مبدأ صحيح أن يقوم على تنفيذه، فإن تنفيذه (ما لم يكن مستحيلاً في العقل) ممكن وحاصل بالقوة، ولا يطالَب العالم الأخلاقي الذي يقبّح السرقة ويدعو إلى تطهير المجتمع منها بأن يكون مفتش شرطة، يتعقب اللصوص ليطهر منهم المجتمع بالفعل!
* * *
ولا بد لنا قبل المفاضلة بين هذه الدعوات الثلاث من الاتفاق على معنى «الأمة»، وتحقيق الأسس التي تبنى عليها الأمم والروابط التي تؤلف بين أجزائها. ولن نتعب في هذا البحث، فقد كُتبت فيه ألوف الصفحات منذ ألقى رينان محاضرته المشهورة سنة 1882 إلى اليوم، وأصبح معروفاً أن الأرض التي تعيش عليها الأمة، واللغة التي تتكلم بها، والدين الذي تدين به ربَّها، والدم الذي يجري في عروقها، واتحاد المشاعر بين أفرادها، ونظرهم إلى الماضي نظرة واحدة تنتج في النفس شعوراً واحداً، واتفاق آمالهم بالمستقبل ... هذه جميعاً هي التي تصنع الأمة الواحدة.
فإذا وعيت هذا وأدركته، فانظر في هذه الأقاليم العربية: هل تلقى وأنت تقطع هذا الطريق الذي يُقطَع في ساعتين، إذا جاوزت