كتب الفقه نقصاً كبيراً في المسائل التي جَدّت ولم يكن يقع أمثالها في عصور الفقهاء المتقدمين، والتي شغل المعاصرين من علمائنا عن بحثها واستنباط أحكامها اشتغالُهم بعبارة الكتاب وتحليل غامضها.
وأنا أذهب إلى أن تدريس التوحيد مثلاً يقتضي الابتعاد عن كتب الكلام المحشوة بحكاية أقوال المخالفين والرد عليها، فيحفظ التلاميذ شُبَه أقوام بادوا ونِحَل انقرضت قبل أن يعرفوا حقيقة التوحيد على قوّته وبساطته وجلاله، مستشهدين بآيات الله في كتابه وفي خلقه.
* * *
أما النظام المدرسي فيكاد يكون مفقوداً اليوم في أكثر مدارسنا الدينية، لأن مرجع أكثرها إلى أفراد يديرونها ويشرفون عليها. وكل مدرسة أو شركة أو جمعية تتبع رأي واحد وهواه لا حظَّ لها إلا الموت والخيبة، لأن الفرد -مهما كان حسن النية- يخطئ ويَهِم، ولذلك شرع الله الشورى.
ولذلك وجب على مؤسّسي المدرسة الدينية أن يجعلوا مرجعها «جمعية» تضم أهل الرأي والاختصاص لا أهل العبادة والصلاح فقط، لأن من المسلَّم به أن التجّار مثلاً لا يستطيعون أن يديروا مدرسة ويضعوا برامجها، ولو كانوا صالحين عاملين وكان لهم فضل في إنشاء هذه المدرسة. وليجدَّد أعضاء الجمعية بالانتخاب، ولا يكونوا أعضاء خالدين يحتكرون المشروع ويسدّون سبيل العمل فيه في وجوه الناس، فإن ذلك يُفسد عملهم