السيد فخري البارودي وأمثاله من رجال الرعيل الأول (وصحفيّي الرعيل الأول ...) فلا تنفع معهم مناظرة ولا يفيد جدال، وهل يُناظَر الهازل ويجادَل الساخر، ويناقَش المناقشةَ العلمية من يتكلم عمّا لا يعلم ويهرف فيما لا يعرف؟ وهل تجادل في فائدة الهندسة من يسخر من الهندسة وأهلها ويهجوهم بالنكات والنوادر والمضحكات، وهو بعدُ لم يدرس الهندسة في عمره، وليس يدري: أتبحث في السطوح والأجسام أو في قواعد طبخ الباذنجان وسيرة كسرى أنوشروان؟

وكانت الجرائد معهم، وكان لهم من الشعب المناضل مكان القيادة فمكّن ذلك لهم، حتى استطاع فخري البارودي أن يجمع مرة -في خطبة واحدة في الجامع الأموي- بين التعريض بذم شيخ الإسلام في ديار الشام الشيخ بدر الدين أخذاً له بجريرة ابنه الذي كان رئيس الوزراء، والتصريح بمدح البطريرك الماروني في لبنان، وقال إنه يحج إلى بكركي (مقر البطريرك)، نعم، بهذا اللفظ وفي جامع بني أمية!

* * *

وبقي المشايخ في عزلتهم حتى أخذت الحماسة الدينية مأخذها من اثنين منهم، هما الواعظان الشعبيان العالمان، الشيخ علي الدقر والشيخ هاشم الخطيب. وكان الأول أكثر شعبية وصوفية والثاني أعلم، فقاما بحركة هزّت دمشق وضواحيها هزّاً عنيفاً، وجدّدا الدعوة إلى الدين بعزيمة صادقة وهمّة وحماسة وعنف شديد، فأقبل عليهما الناس إقبالاً منقطع النظير، ولكنهما

طور بواسطة نورين ميديا © 2015