ولما اجتمعت دول أوربا كلها على حرب المسلمين، وساقت إليهم جيوشاً أولها في القسطنطينية وآخرها في أعماق أوربا، وتوالت الحملات، وملك الصليبيون السواحل من سوريا وحكموا القدس، لا سنة ولا سنتين بل أكثر من تسعين سنة، فظن ضعاف النفوس أن القدس ضاعت منا إلى الأبد، فما هي إلا أن قام مسلم تركي وقام مسلم كردي، فنشرا راية القرآن وضربا بسيف محمد، حتى انتصر نور الدين ومن بعده صلاح الدين على أوربا كلها، لأن راية القرآن إذا رُفعت لا تُخذَل أبداً، وسيف محمد إذا ضربنا به لا ينبو أبداً.

ثم جاء السيل الجارف من أقصى الشرق، سيل المغول والتتار، فدمر العواصم وجرف صروح الحضارة، وسقطت أمامه بغداد التي كانت أعظم حواضر الأرض، ولم يبق إلا مصر. وكانت مصر يومئذ ضعيفة، يحكمها مماليك صيّرهم الدهر ملوكاً، فما هي إلا أن قام فيهم شيخ صالح من دمشق هو الشيخ عز الدين بن عبد السلام، وشيوخ صالحون من مصر، فأيقظوا الإيمان في قلوبهم فقاتلوا لله لا للدنيا، فنصرهم الله في عين جالوت نصراً لا يزال كُتّاب التاريخ مدهوشين منه إلى اليوم.

وما ذهبت قوة الإسلام ولا فقد أهله عزتهم، وهاكم الأمثلة ظاهرة أمامكم: المجاهدون الأفغان والدولة القوية التي أعلنت عجزها عنهم. بل هاكم المثل القائم اليوم: هؤلاء الأولاد الصغار الذين يقفون في مواجهة جنود مدرَّبين، ما معهم في أيديهم الصغيرة إلا حجارة أرضهم يلقونها بسواعدهم، فعجزت عنهم هذه الدولة الباغية التي وضعوا في يدها أعتى الأسلحة ووأفتكها.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015