بالمعنى العسكري، فما احتل الكفار مكة ولا المدينة؛ ولكن مَثَل الجهاد كقطر كبير أصابه القحط، فشحَّت الأقوات وعمّ الجوع وفشت الأمراض وقلّ الدواء، فجاء من يحمل المدد إلى الجائعين والدواء إلى المرضى لينقذهم مما هم فيه، فوقف في الطريق ناس يمنعونهم، يحولون بينهم وبين هذا الخير وهذا العمل الإنساني، فقالوا لهم: تعالوا شاركونا فيما نعمل تكونوا منا ولكم ما لنا وعليكم ما علينا، فأبوا عليهم. قالوا لهم: دعونا نمرّ ونحن ندافع عنكم، لا نكلفكم قتال عدو ولا بذل روح، على أن تمدونا بشيء من المال قليل. قالوا: لا. فلم يبق إلا أن يقاتلوهم، أن يقاتلوا هذه الفئة القليلة التي تمنع الخير عن الناس ... يقاتلون أفراداً لينقذوا أمماً، وكان ذلك هو الجهاد.
وكان الخير الذي نحمله للدنيا هو الذي نزل علينا من السماء في حراء.
* * *
الإسلام قوي بذاته مؤيَّد بتأييد الله له. انظروا كم حاقت به من شدائد، وكم اجتمع عليه من خصوم، وكم وضعوا لحربه من خطط، فكان النصر أخيراً للإسلام.
لمّا قُبض رسول الله صلى الله عليه وسلم ارتدّ أكثر العرب عن دين الحق، منهم من كفر وخرج من الإسلام، وأكثرهم منعوا الزكاة، فعدّهم خليفة رسول الله بهذا من المرتدّين. وحسب أقوام أنها نهاية الإسلام، فما هي إلا أن ثبت هذا الشيخ الجليل، أبو بكر، وثبت معه خيار المسلمين، فماتت الردة وعاش الإسلام.