طُفَيل الأندلسي، فاشتهرت قصته وماتت قصة ابن سينا) كتبهما وهو سجين. وقصة «حي بن يقظان» هي التي نسج على منوالها ومشى على أثرها مؤلف رواية روبنسون كروزو المشهورة. بل إن الكتاب العظيم لابن سينا، وهو «الشِّفاء» الذي بقي الأساس في دراسة الطب في جامعات أوربا إلى ما قبل أربعمئة سنة، ألّفه وهو هارب متنقّل في البلدان مُتوارٍ عن الأبصار.
بل لقد أخرجت هذه العصور المتأخرة كتباً كبيرة، كشرح القاموس للزَّبيدي (الهندي الأصل اليَماني المقام). بل لقد أُلِّفت في عصرنا هذا كتب كبار، ككتاب «الأعلام» للزِّرِكْلِيّ، ومجموعة «فجر الإسلام» و «ضحى الإسلام» و «ظهر الإسلام» لأحمد أمين، و «تاريخ العرب قبل الإسلام» لجواد علي العراقي الذي توفي حديثاً، و «شرح الكامل» للمَرْصَفي. ولقد حدّث أحدُ تلاميذه أنه دخل عليه يوماً (وكان يسكن غرفة مقفرة من دار خَرِبة في حي قديم من أحياء القاهرة، يضلّ الماشي في أزقّته ويغوص في وحله، لأنه كان -من فقره- لا يستطيع أن يجد غير هذه الدار في غير هذا الحي) فوجده قاعداً على حصير بالٍ مفروش في وسط الغرفة، ليس فيها سواه، وأمامه الكتب منثورة والصحائف منشورة، وحول الحصير خيط من الدبس مصبوب على الأرض. فسأله: ما هذا الدبس يا مولانا؟ فضحك الشيخ وقال: إنه سور يحميني من هجمات البق!
وأكثر القرّاء لم يعودوا يعرفون -بحمد الله- ما هو البَقّ الذي كنا نقاسي منه الأمَرّين ونحن صغار، لا نملك له دفعاً ولا نعرف دواء.