والمنطق التجريبي، أو المنطق العلمي، هو غير المنطق الصوري، منطق أرسطو الذي عُني به علماؤنا وأولَوه ما لا يستحقّ من هذه العناية، وأدخلوه في البلاغة وفي النحو، بل وفي العقائد (أي في علم الكلام) فأفسد كل علم دخل فيه.

لمّا بحثت عن أوراقي فلم أجدها سألت عنها من هو في المملكة ممن كان يومئذ من الطلاب، وكلهم الآن من الأساتذة الكبار، فما وجدتها عند أحد منهم. ولو أني تعودت أن أكتب كل ما أُعِدّه من محاضرات ومن أحاديث ومن دروس، ونشرتها يومئذ في مجلة أو طبعتها في رسالة، لانتفعت بها وانتفع بها الناس. ولكن «لو» تفتح عمل الشيطان.

ما وجدت إلا مسوَّدات فيها رؤوس المسائل التي ألقيتها، بل فيها إشارات إلى رؤوس المسائل مكتوبة على عجل، قرأت بعضها ولم أستطع -لسوء الخط- قراءة بعضها وأنا كاتبها!

وكثيراً ما يقع لي مثل هذا: أُعِدّ محاضرة أو مقالة علمية، فأكبّ على المراجع وأغرق في صفحات المجلَّدات وبيدي قلم وورق أدوّن ما أجده نافعاً لي في مقالتي أو محاضرتي، أشير إليه ولا أدلّ عليه، أُجمِل ولا أفصّل وألمّح ولا أصرّح، وفي ظني حينئذ أن الإشارة والإجمال والتلميح بلا تصريح يكفي. فإذا مر الزمان وعُدت إليها -كما أعود الآن- لم أستطع أن أحلّ رموزها ولا أن أدرك المُراد منها، فضلاً عن أن أكتفي بها. ولقد أضعت على نفسي وعلى الناس بهذه الخطة الحمقاء مقالات وفصولاً ومباحث لو أنها كُتبت في حينها لكان منها الكثير الطيب.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015