وفكر، وأن أسلوبه أسلوب علميٌّ خالٍ من كل مزايا الأساليب الأدبية الحافلة بالصور المليئة بالتشبيهات والاستعارات. وما دام قد ثبت أن عدياً لم يأتِ بهذا البيت الواحد إلا بعد الرَّوِيّة، فقد ثبت -قِياساً عليه- أن شعر عديّ كله شعر روية وبحث، وما دام شعر عديّ شعر روية وبحث فالشعر الشامي كله شعر بحث وروية وإعداد.
وهكذا صدر الحكم الطاهَوي!
تخيّلَ حَبّة فبنى منها قُبّة، والقبة ولدت قِباباً، والقباب شكّلت مدينة ... وما كانت المدينة قط إلا في هذا الخيال السقيم!
وهذه مصيبة طه حسين، بدأت معه من يوم خلع عمامته الأزهرية وخلع معها عقله ودينه، فأظهر من «آثاره» ما تستر الهرّة أمثالَه من «آثارها»، حين نشر ذلك الخزي الذي سماه كتاب «الشعر الجاهلي»، ولا تزال معه إلى اليوم.
وما لقيت أحداً ممن سمع المحاضرة إلا أحسّ أنه خُدع بهذه الدعاية (?)، وأن المحاضرة تافهة الموضوع فارغة من المعاني، وأن إلقاء المحاضر -على جودته- إلقاء نَمَطي بلهجة واحدة ونغمة مستمرة، لا يظهر عليه أثر الحياة، ولا تتبدل رنّته في استفهام ولا تقرير ولا مفاجأة ولا تعجّب، وأن محطاته كلها واحدة، تنتهي بشِدّة على الحرف منكَرة، وقلقلة في غير موضع قلقلة.