وقد نبّهَنا الله إلى ذلك في القرآن، ولكن أين من يتنبّه؟ ألم تقرؤوا خبر الذي حاجَّ إبراهيمَ في ربه أنْ آتاه الله المُلك؟ {إذْ قَالَ إبْراهيمُ رَبِّيَ الذي يُحْيِي وَيُميتُ، قالَ: أنا أُحْيي وَأُميتُ}، أي أنه يأتي برجل حكم عليه بالقتل فيعفو عنه فيحييه، ويعمد إلى آخر فيقتله فيميته. على أنه ما أحيا ولا أمات إلا بالسنن التي سنّها الله والقوانين الطبيعية التي طبع الله الكونَ عليها، فلمّا طلب منه إبراهيم شيئاً يَخرج على هذه القوانين فقال له: {فإنّ اللهَ يَأتي بالشَّمْسِ مِنَ المَشْرِقِ، فَاتِ بها مِنَ المَغْرِبِ} ماذا كان جوابه؟ {فَبُهِتَ الذي كَفَرَ}.
ولقد قلت من سنين في بعض أحاديثي «على مائدة الإفطار» في رمضان: إن لكل عصر وثنية، وإن وثنية هذا العصر هي المبالغة في تقدير العلم وتقديسه وجعله نداً للدين! وما العلم؟ العلوم الطبيعية عند أهلها هي: الوصول إلى معرفة قانون الله بالمشاهدة، ثم بالتجرِبة، ثم بالمعرفة.
مراحل لا بد منها؛ نيوتن مثلاً شاهد شيئاً يسقط، فراقبه ولاحظه وفكّر فيه، ثم فرض فرضية وجاء بنظرية، ثم أراد أن يختبر صحةَ هذه النظرية من بطلانها وصوابَها من خطئها فعمد إلى التجربة؛ فإذا اتحدت الظروف -ولو اختلفت البلدان- ثم كانت النتيجة واحدة فذلك هو القانون الطبيعي. وإذا قلت «الطبيعي» فلست أعني هذه المقالة الحمقاء التي كان يقول بها السفهاء والسخفاء، من أن الطبيعة هي التي خلقت وهي التي صنعت وهي التي عملت، بل أعني بقول «الطبيعي» أنه ليس من عمل البشر.
وإلا فما الطبيعة؟ إن لفظها «فَعيلة» بمعنى مَفعولة، أي أشياء