يكون كتاب تاريخ يُعتمَد عليه في تحقيق الأخبار، فلا.
إن من يأخذ «الأغاني» على أنه كتاب تاريخ يجد المجتمع الإسلامي العباسي مجتمعاً لاهياً عابثاً، لا شغل له إلا شرب الخمر وسماع الغناء والفتنة بالجواري والغلمان، من أكبر خليفة في القصر إلى أصغر ملاّح في دجلة، مع أن هذا غير صحيح.
ولقد كان في بغداد على عهد أبي الفرج أكثر من مليونين من السكان، وكان في هذا العدد الضخم من السكان فُسّاق وشُرّاب خمر وزُناة ولاهُون، وكان فيهم الفارغون المتبطّلون المقبلون على الغناء والطرب، يعيشون لذلك لا يشتغلون بغيره، ولكن هؤلاء كانوا قِلّة وكانوا أقل من القلة. وكان إلى جنب هؤلاء الفُسّاق من أمثال مطيع بن إياس ويحيى والحمّادَين (?) وأبي نُواس وأمثالهم، كان إلى جنبهم أبو حنيفة وشَريك وابن المُبارك وسُفيان والشافعي وابن حنبل، والعلماء والعُبّاد، وكان إلى جنبهم أئمة اللغة ورُواة الأدب ممّن عُرفوا بالصلاح والتقوى، وكان التجّار والعامة ممن كانت تمتلئ بهم المساجد حتى كانت تتصل صفوف المصلّين من مسجد الرُّصافة في بغداد إلى الشط.
فليس المجتمع كله كما يصوّره أبو الفرج. ثم إن أبا الفرج في «الأغاني» يتكلم عن الرجل ممن تَرجَم له، فيُغفل جوانبه كلها ويَعْمَد إلى جانب اللهو والغناء فيتكلم عليه ويبالغ فيه، لأن هذا