عند عمر بن الخطاب فلان، قال ذلك رجل وفيه دعابة " فعند ذلك يورد البكري القصة ويذكر الاسم الذي كنى عنه ابن سلام بكلمة " فلان "؛ وصفة التحرج غالبة على ابن سلام في مواطن متفرقة من كتابه، أما البكري فإنه لا يرى بأساً يذكر ما يستحي أبو عبيد من روايته.
وإذا اغتفرنا بعض هنات للبكري في تعقبه لأبي عبيد، وكلها مما يدل على اعتداد بالنفس، وجدناه قد أغنى شرحه بالتحقيقات الطيبة في اللغة والأنساب والشعر، وكان في شرحه هذا ذا شخصية قوية، كما كان في شرحه لأمالي القالي، واسع الإطلاع، جم المعارف وإن لم يخل من خطأ أو وهم. وقد تقيد بالشرح ولذلك فإنه لم يورد الأمثال التي لا يستطيع التعليق عليها أو التي لا تستحق منه تعليقاً، بل اختار منها ما يستطيع إخضاعه للتفسير والتعليق، ونحسب أن ما حذفه من الأمثال من أصل أبي عبيد أضعاف أضعاف ما زاده إليه أثناء الشرح لأنه في بعض الأحيان كان يغفل أبواباً كاملة. وعلى هذا فإن كتاب " فصل المقال " لا يضم إلا قدراً محدوداً من الأمثال، وكذلك كتاب أبي عبيد نفسه، لأن التبويب اتبعه مؤلفه يحدد طبيعة الأمثال التي أمكنه إدراجها فيه، ولهذا التقسيم عيوب ليس البكري مسؤولاً عنها، وإن التزم به في سياق شرحه.
وعلى ما لهذا من قيمة علمية فإننا لم نجد عدداً كبيراً من العلماء قد أفاد منه واستغل ما فيه. وكل ما نعرفه في هذه الناحية أن تلميذين لأبي عبيد البكري روياه عنه وهما: الوزير أبو بكر محمد بن عبد الملك بن عبد العزيز اللخمي، ومحمد بن محمد بن عبد الرحمن القرشي المعروف بابن الأحمر، ونقل منه العيني مرة واحدة في قصة النعمان وسعد القرقرة (العيني 4: 55) وربما كان صاحب التاج أو شيخه مطلعاً على بعض ما جاء فيه، لأن هنالك إشارات إلى بعض تعليقات البكري وردوده.