{تنبيه}: وسواء كان كلام محمد بن مسلمة رضى الله عنه ومن معه من الصحابة لكعب على سبيل التورية التى فهم منها المخاطب غير ما أراد المتكلم كما يدل عليه كلام بعض الشراح، أو كان الأمر بخلاف ذلك، كما تدل عليه بعض روايات أهل السير التي فصلت القول في أنهم صرحوا له بإرادتهم خذلان النبي صلى اله عليه وسلم، والتنحي عنه، فإن إذن النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، له أن يقول هو إذنٌ عام مقيد بالتورية، ولذلك بوب عليه الامام البخارى:"باب الكذب فى الحرب"،وكذلك الامام النسائى فى سننه الكبرى.
هذه هي "التقاة"عند أهل السنة، وهي استثناء من أصل عام مطرد، هو إحقاق الحق وإظهاره وإعلانه، وإبطال الباطل وإخماده، وازهاقه، وهى فى قسميها الآخرين رخصة جائزة، والعزيمة بخلافها.
والرخصة كما عرفها الأئمة: هى ما شرع لعذر شاق استثناء من أصل كلي يقتضى المنع، مع الاقتصار على مواضع الحاجة فيه.
وقد روعي فى إباحة هذة الرخصة وغيرها ما جبل عليه كثيرا من البشر من الضعف والعجز عن مقاومة الضغوط والشدائد، وتلك رحمه من الله قال تعالى: (هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكمْ فِي الدّينِ مِنْ حَرَجٍ) [الحج: 78]
وروعي فى مشروعية الثبات والعزيمة ما اختص به بعض الناس من العزائم الصلبة، والهمم الرفيعة، والقلوب القوية الشجاعة، والنفوس الصابرة، التى خلقت لتكون معالم فى طريق الحق يهتدى بضوئها السائرون، ويستصبح بنورها الدالجون، وبهم يدفع الله عن الحق الغوائل والمحن، ويقيم لأهل الحجة السنن.
ولا يزال فى هذه الامة من لدن بعثة محمد، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، الى يوم الناس هذا، وإلى أن يأتي أمر الله، من رجالات الطائفة المنصورة من يرفع راية الحق ويبذل مهجته دونها.
وسطية أهل السنة فى باب التَقِيَّة:
التقاة والتقية مصدران لفعل واحد، وقد قرئت الآية بالوجهين، فقرأها الجمهور (إِلاّ أَن تَتّقُواْ مِنْهُمْ تُقَاةً)،وقرأها ابن عباس، والحسن، وحميد بن قيس، ويعقوب الحضرمي، ومجاهد، وقتادة، والضحاك، وأبو رجاء، والجحدرى، وأبو حيوة: تَقِيَّة بفتح التاء، وتشديد الياء على وزن فعيلة، وكذلك روى المفضل، عن عاصم.
وقد اشتهر لدى أهل السنة استعمال التقاة بضم التاء، وفتح القاف، والألف المدودة، كما هي قراءة الجمهور، مع استعمال اللفظ الآخر. واشتهر لدى الرافضة استعمال التقية بفتح التاء، وكسر القاف، والياء المشددة المفتوحة ـ كما هي القراءة الآخرى ـ هذا من حيث اللفظ.