بل إن الإنسان يتأثر بمخالطة البهائم ويكتسب بعض طباعها فكيف لا يتأثر بمخالط جنسه من البشر، وتأمل في الحديث الآتي بعين البصيرة:
(حديث أبي هريرة الثابت في الصحيحين) أنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: أَتَاكُمْ أَهْلُ الْيَمَنِ هُمْ أَرَقُّ أَفْئِدَةً وَأَلْيَنُ قُلُوبًا الْإِيمَانُ يَمَانٍ وَالْحِكْمَةُ يَمَانِيَةٌ وَالْفَخْرُ وَالْخُيَلَاءُ فِي أَصْحَابِ الْإِبِلِ وَالسَّكِينَةُ وَالْوَقَارُ فِي أَهْلِ الْغَنَمِ.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى:
" إن الله تعالى جبل بني آدم، بل سائر المخلوقات على التفاعل بين الشيئين المتشابهين، وكلما كانت المتشابهة أكثرَ كان التفاعل في الأخلاق والصفات أتم ... إلى أن قال: ولأجل هذا الأصل وقع التأثر والتأثير في بني آدم، واكتساب بعضهم أخلاق بعض بالمشاركة والمعاشرة. وكذلك الآدمي إذا عاشر نوعاً من الحيوان اكتسب بعض أخلاقه، ولهذا صارت الخيلاءُ والفخرُ في أهل الإبل، وصارت السكينة في أهل الغنم ... " (?).
والواقع أيها الإخوة شاهد بذلك فكم رأينا من الناس من تغيرت أخلاقهم بسبب جلسائهم.
قال الفضيل بن عياض: " إذا خالطت فخالط حسنَ الخلق، فإنه لا يدعو إلا إلى خير، وصاحبه منه في راحة ... ".
(3) محاسبة النفس، إن أعدى عدو للإنسان هو نفسه التي بين جنبيه، فقد خلقت أمارةً بالسوء، ميالة إلى الشر، فرارة من الخير، ولذلك أمر المسلم بتزكيتها وتقويمها، ومحاسبتها وحملها على ما يزينها من محاسن الأخلاق ومكارم الآداب، فينبغي للمسلم أن يتعاهد نفسه، ويمنعها من اقتراف المساوئ ويعاتبها على التقصير والتفريط، فإنها بذلك تزكو وتستقيم.
والنفس كالطفل إن تهمله شبَّ على ... حب الرضاع وإن تفطمه ينفطم
وقد كان السلف رحمهم الله، يحاسبون أنفسهم ويتهمونها ويعاتبونها عند كل صغيرة وكبيرة.
(حديث أنس رضي الله عنه الثابت في صحيح البخاري موقوفا) قَالَ إِنَّكُمْ لَتَعْمَلُونَ أَعْمَالًا هِيَ أَدَقُّ فِي أَعْيُنِكُمْ مِنْ الشَّعَرِ إِنْ كُنَّا لَنَعُدُّهَا عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ الْمُوبِقَاتِ.