وقد جعل الله تزكية النفوس وإصلاحها بالفضائل والمكرمات إحدى وظائف النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: {لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ} [آل عمران:164] أيها المؤمنون إن شأن الأخلاق عظيم في هذه الشريعة المباركة إذ هي مبنية على القيام بحقوق الله تعالى والقيام بحقوق العباد ابتغاء وجه الله تعالى، فبقدر ما معك من استقامة الخلق بقدر ما معك من استقامة الدين قال الله تبارك و تعالى في بيان أعظم آيات النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الدالة على صدق نبوته:

(وَإِنّكَ لَعَلَىَ خُلُقٍ عَظِيمٍ) [سورة: القلم - الآية: 4]

قال ابن عباس: أي على دين عظيم.

وقد جعل النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حسن الخلق من دلائل كمال الإيمان:

(حديث أبي سعيد رضي الله عنه الثابت في صحيح الجامع) أن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: أَكْمَلُ المُؤْمِنِيْنَ إِيْمَانَاً أَحْسَنُهُم خُلِقَا المُوَطَئُونَ أَكْنَافَاً الذِيْنَ يَأْلَفُوْنَ وَيُؤْلَفُوْنَ وَلَا خَيْرَ فِيْمَنْ لَا يَأْلَفُ وَلَا يُؤْلَفُ.

قال ابن الجوزي: التوطئة التذليل والتمهيد. يُقال: فراش وطيء وثير، لا يُؤذِي جنب النائم.

وقال ابن الأثير: هذا مَثَل، وحقيقته من التوطئة، وهي التمهيد والتذليل، وفراش وطيء لا يُؤذِي جنب النائم، والأكناف الجوانب، أراد الذين جوانبهم وطيئة يَتَمَكَّن فيها من يُصَاحِبهم ولا يتأذى. اهـ.

فالمقصود بـ (الموطئون أكنافا): أي عندهم لين جانب يألفون ويؤلفون.

وهذا المثل المضروب للمؤمنين يُفسِّره ما جاء في الحديث نفسه، إذ جاء فيه:

إن أحبكم إليّ أحسنكم أخلاقا، الموطَّؤون أكنافاً، الذين يَألفون ويُؤلفون.

ومثله قوله عليه الصلاة والسلام: المؤمن كالجمل الأنف حيثما انْقِيد انْقَاد.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015