فَإِذَا قَطَعَ أَسْبَابَ الْكِبْرِ وَحَسَمَ مَوَادَّ الْعُجْبِ اعْتَاضَ بِالْكِبْرِ تَوَاضُعًا وَبِالْعُجْبِ تَوَدُّدًا. وَذَلِكَ مِنْ أَوْكَدَ أَسْبَابِ الْكَرَامَةِ وَأَقْوَى مَوَادِّ النِّعَمِ وَأَبْلَغِ شَافِعٍ إلَى الْقُلُوبِ يَعْطِفُهَا إلَى الْمَحَبَّةِ وَيُثْنِيهَا عَنْ الْبُغْضِ.
وَقَالَ مُصْعَبُ بْنُ الزُّبَيْرِ: التَّوَاضُعُ مَصَائِدُ الشَّرَفِ.
وَقِيلَ فِي مَنْثُورِ الْحِكَمِ: مَنْ دَامَ تَوَاضُعُهُ كَثُرَ صَدِيقُهُ. وَقَدْ تُحْدِثُ الْمَنَازِلُ وَالْوِلاَيَاتُ لِقَوْمٍ أَخْلاَقًا مَذْمُومَةً يُظْهِرُهَا سُوءُ طِبَاعِهِمْ، وَلِآخَرِينَ فَضَائِلَ مَحْمُودَةً يَبْعَثُ عَلَيْهَا زَكَاءُ شِيَمِهِمْ؛ لِأَنَّ تَقَلُّبَ الأحوالِ سَكَرَةٌ تُظْهِرُ مِنْ الأخْلاَقِ مَكْنُونَهَا، وَمِنْ السَّرَائِرِ مَخْزُونَهَا، لاَ سِيَّمَا إذَا هَجَمَتْ مِنْ غَيْرِ تَدْرِيجٍ وَطَرَقَتْ مِنْ غَيْرِ تَأَهُّبٍ.
مسألة: ما الفرق بين الكبر والعجب؟
الكبر أن يحتقر الناس ويرى أنه فوقهم، والعجب أن ينظر إلى نفسه معجباً بها.
(8) حسن الخلق:
طوبى لمن ألبسه الله ثوب حسن الخلق، فإنه ما من رجلٌ أُثر عنه ذلك، إلا طاب ذكره عند الناس، ورُفع قدره بينهم. وحسن الخلق هو بسط الوجه، واحتمال الأذى، وكظم الغيظ، وغير ذلك من المعاني والخصال الحميدة. قال ابن منصور: سألت أبا عبد الله: عن حسن الخلق: قال: أن لا تغضب ولا تحتد ... وقال إسحاق بن راهويه: هو بسط الوجه وأن لا تغضب ونحو ذلك، ذكره الخلال ... وروى الخلال عن سلام بن مطيع في تفسير حسن الخلق، فأنشد هذا البيت:
تراه إذا ما جئته متهللاً ... كأنك معطيه الذي أنت سائله (?).
وخير الناس أحسنهم خلقاً بنص السنة الصحيحة كما في الحديث الآتي:
(خياركم أحسنكم أخلاقا) (?). وكان من دعائه في الاستفتاح -صلى الله عليه وآله وسلم- (واهدني لأحسن الأخلاق لا يهدي لأحسنها إلا أنت، واصرف عني سيئها لا يصرف عني سيئها إلا أنت) (?).
ومن كان كذلك أحبه الناس، ورغبوا في مجلسه ومجالسته، واستأنسوا بحديثه، وبضده صاحب الخلق السيء؛ فحديثه ممل، ومجلسه ينفر عنه الناس، وهو مبغوضٌ ثقيل على القلب.