وأنه لما قُتِل عثمان رضي الله عنه لم ترَ الأمة أحق من علي رضي الله عنه فبايعوه فتوصل من توصل إلى التنفير عنه بأن أظهر تعظيم قتل عثمان وقُبحه وهو في نفس الأمر كذلك ضُمَّ إلى ذلك أن المؤلَّب على قتله والساعي فيه علي رضي الله عنه وهذا كان كذباً وبهتاً. وكان علي رضي الله عنه يحلف ويغلِّظ الحلف على نفي ذلك وهو الصادق البارُّ في يمينه رضي الله عنه وبادروا إلى قتاله ديانةً وتقرُّباً ثم إلى قتال أولاده رضوان الله عليهم واجتهد أولئك في إظهار ذلك وإشاعته على المنابر في أيام الجُمَع وغيرها من المجامع العظيمة حتى استقر في قلوب أتباعهم أن الأمر على ما قالوه وأن بني مروان أحق بالأمر من علي وولده لقربهم من عثمان وأخذهم بثأره فتوصلوا بذلك إلى تأليف قلوب الناس عليهم وقتالهم لعلي وولده من بعده ويثبُت بذلك لهم الملك واستوثق لهم الأمر.
وكان بعضهم يقول في الخلوة لمن يثق إليه كلاماً ما معناه: (لم يكن أحد من الصحابة أكفأ عن عثمان من علي) فيقال له: لِمَ يسبُّونه إذاً؟ فيقول: (إن المُلك لا يقوم إلا بذلك).
ومراده أنه لولا تنفير قلوب الناس على علي وولده ونسبتُهم إلى ظلم عثمان لما مالت قلوب الناس إليهم لما علموه من صفاتهم الجميلة وخصائصهم الجليلة فكانوا يسرعون إلى متابعتهم ومبايعتهم فيزول بذلك ملك أمية وينصرف الناس عن طاعتهم.
مسألة: من ابتلي بشيءٍ من هذا المكر فما يصنع؟
قال ابن رجب الحنبلي رحمه الله في الفرق بين النصيحة والتعيير:
ومن بُلي بشيء من هذا المكر فليتق الله ويستعن به ويصبر فإن العاقبة للتقوى. كما قال الله تعالى: بعد أن قصَّ قِصَّة يوسف وما حصل له من أنواع الأذى بالمكر والمخادعة: