وتصح التورية من القائل إذا دعت الحاجة أو المصلحة الشرعية لها، ولا ينبغي أن يكثر منها بحيث تكون ديدناً له، ولا أن يستعملها لأخذ باطل أو دفع حق.

(والتورية جائزة بشرطين: الأول: أن يكون اللفظ محتملاً لها.

والثاني: ألا تكون ظلماً. فلو قال رجل: أنا لا أنام إلا على وتد. والوتد عود يوضع في الجدار ويعلق عليه المتاع. وقال الرجل: أنا أريد بالوتد الجبل، فهذه تورية صحيحة، لأن اللفظ يحتملها وليس فيها ظلمٌ لأحد.

وكذلك لو أن رجلاً قال: والله لا أنام إلا تحت السقف. ثم نام فوق السقف وقال: أردت بالسقف السماء. فهذا صحيح، فقد سميت السماء سقفاً في قوله سبحانه: (وجعلنا السماء سقفاً محفوظاً) [الأنبياء /32]

(حديث عمران ابن حُصين في صحيح الأدب المفرد موقوفاً) قال إن في المعاريض لمندوحةٌ عن الكذب.

معنى مندوحة: سعة

[*] قال ابن عباس رضي الله تعالى عنهما: ما يسرني بمعاريض الكلام حُمُرُ النعم.

[*] وقال بعض السلف: كان لهم كلامٌ يدرؤون به عن أنفسهم العقوبة، فقد لقي رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - طليعةً للمشركين وهو في نفرٍ من أصحابه فقال المشركون ممن أنتم؟ فقال النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نحن من ماء. فنظر بعضهم إلى بعض فقالوا: أحياء اليمن كثيرةٌ لعلهم منهم وانصرفوا.

وأراد النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بقوله (من ماء) قوله قال تعالى: (خُلِقَ مِن مّآءٍ دَافِقٍ) [الطارق / 6]

(قال النووي رحمه الله:

قال العلماء: فإن دعَت إلى ذلك مصلحة شرعيَّة راجحة على خداع المخاطب، أو دعت إليه حاجة لا مندوحة عنها إلا بالكذب: فلا بأس بالتعريض، فإن لم تدع إليه مصلحة ولا حاجة: فهو مكروه وليس بحرام، فإن توصل به إلى أخذ باطل أو دفع حق فيصير حينئذ حراماً، وهذا ضابط الباب.

" الأذكار " (ص 380).

وذهب بعض العلماء إلى تحريم التعريض لغير حاجة أو مصلحة، وهذا اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله. انظر الاختيارات ص 563.

وهناك حالات أرشد النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فيها إلى استخدام التورية، فعلى سبيل المثال:

إذا أحدث الرجل في صلاة الجماعة فماذا يفعل في هذا الموقف المحرج؟.

الجواب: عليه أن يأخذ بأنفه فيضع يده عليه ثم يخرج.

والدليل:

((حديث عائشة رضي الله عنه الثابت في صحيح أبي داوود) أنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: إِذَا أَحْدَثَ أَحَدُكُمْ فِي صَلَاتِهِ فَلْيَأْخُذْ بِأَنْفِهِ ثُمَّ لِيَنْصَرِفْ.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015