المراء أخو الشنان كما أن المناقشة أخت العداوة والمراء قليل نفعه كثير شره ومنه يكون السباب ومن السباب يكون القتال ومن القتال يكون هراقة الدم وما مارى أحد أحدا إلا وقد غير المراء قلبيهما.

(وقال أيضاً رحمه الله تعالى:

قال أبو حاتم رضى الله عنه المزاح إذا كان فيه إثم فهو يسود الوجه ويدمي القلب ويورث البغضاء ويحيى الضغينه وإذا كان من غير معصية يسلى الهم ويرقع الخله ويحيى النفوس ويذهب الحشمة فالواجب على العاقل أن يستعمل من المزاح ما ينسب بفعله إلى الحلاوة ولا ينوي به أذى أحد ولا سرور أحد بمساءة أحد.

(وقيل في منثور الحكم: المزاح يأكل الهيبة كما تأكل النار الحطب.

(وقال بعض الحكماء: من كثر مزاحه زالت هيبته، ومن كثر خلافه طابت غيبته.

(وقال بعض البلغاء: من قل عقله. كثر هزله.

(وذكر خالد بن صفوان المزاح فقال: يصك أحدكم صاحبه بأشد من الجندل، وينشقه أحرق من الخردل، ويفرغ عليه أحر من المرجل، ثم يقول: إنما كنت أمازحك.

(وقال بعض الحكماء: خير المزاح لا ينال، وشره لا يقال، فنظمه السابوري في قصيدته الجامعة للآداب فقال وزاد:

شرُّ مُزاح المرءِ لا يقاُل ... وخيرُه يا صاحِ لا ينُاُل

وقد يُقال كثرة المزاحِ ... من الفتى تدعو إِلى التَّلاحي

إِن المزاحَ بدؤه حلاوه ... لكنّما آخرُه عَداوَه

يَحقِد منه الرجلُ الشريفُ ... ويجتري بسُخفه السَّخيفُ

(وما أحسن ما قال أبو نواس:

مُت بدآء الصمت خيرٌ ... لك من دآءِ الكلام

إِنما السَّالم من أَل ... جم فاه بلجام

ربما يستفتح المز ... حُ مغاليق الحمام

والمنايا آكلاتٌ ... شارباتٌ للأَنام

{تنبيه}: (يجوز للإنسان أن يمزح إن لم يكن كثيراً بشرط أن يكون مزحه صدقاً وقصداً بون إفراط فإن فيه إجماماً للقلوب وتفريجاً للكروب.

[*] (أورد ابن حبان رحمه الله تعالى في روضة العقلاء عن أبي حاتم قال: الواجب على العاقل أن يستميل قلوب الناس إليه بالمزاح وترك التعبس.

(قال أبو البركات الغزني رحمه الله في المراح في المزاح:

العاقل يتوخى بمزحه إحدى حالتين: إما إيناس المصاحبين، والتودد إلى المخاطبين، وهذا يكون بما أنس من جميل القول، وبسط من مستحسن الفعل كما قال سعيد بن العاص لابنه: اقتصد في مزحك فإن الإفراط فيه يذهب البهاء، ويجرئ السفهاء، وإن التقصير فيه يغض عنك المؤانسين، ويوحش منك المصاحبين. وإما أن ينفي بالمزاح ما طرأ عليه من سأم، أو حدث من سأم، أو حدث به من هم وغم. فقد قيل: لابد للمصدور أن ينفث وأنشد أبو نواس:

طور بواسطة نورين ميديا © 2015