(ولما كان المسلمون بأسرهم المتعلم منهم والأمي والمتحضر والبدوي والمدنَّي والقروِّي يحتاجون حاجةً مُلًّحةً ماسَّة إلى ما يُرَقَّق قلوبهم ويتسبب في خشوعها وإنابتها إلى ربها في زمن قست فيه القلوب، وظهرت فيه الذنوب، ولم يستحي الكثير من علام الغيوب فطفقوا يبارزونه بالإثم والحوب، وفي وقت كثرت فيه الدعوات الأرضية المضلة، واشتد فيه الظلام وظهر الباطل على الحق ظهورا آنيا، وسيطرت فيه المادية حتى تغيرت كثير من القيم السامية، فما أشد حاجة العبد المسلم إلى الرقائق التي تثبت قلبه في زمن حار فيه الكثير من الناس فانغمسوا في القيم الهابطة التي غزت العقول والقلوب والمجتمعات، فقد أصبحنا نعيش في مجتمع طغت عليه المادية وانتشرت الشهوات بكل لون وفي كل وقتٍ وحين حتى صار الإنسان غارقاً في الشهوات إلى الأذقان وبلغ فسقه عنان السماء ـ إلا ما رحم ربي ـ، فأصبحنا في أيام الصبر الذي أخبر عنها النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في الحديث الآتي:
(حديث أبي ثعلبة الخُشَنِّي رضي الله عنه الثابت في السلسلة الصحيحة) أن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: إن من ورائكم أيام الصبر، للمتمسك فيهن يومئذ بما أنتم عليه أجر خمسين منكم. قالوا: يا نبي الله! أو منهم؟ قال: بل منكم.