لما كان الداعية إلى الله تعالى يحتاج إلى الزهد حاجةً مُلِّحَةً مَاسَّةً لأن الزهد ليس من نافلة القول، بل هو أمر لازم لكل من أراد رضوان الله تعالى والفوز بجنته، فالزهد طريق النجاة، وسلم الوصول، ومنهاج القاصدين، ومطلب العارفين، ومطية الصالحين، وطريق السالكين إلى مرضاة رب العالمين، والزهد في الدنيا مقام شريف من مقامات السالكين ودربُ من دروب عباد الله الصالحين، وهو مسلكٌ شريف لنيل حب الله تعالى الذي هو منتهى أمل العبد وأقصى غايته لأنه من نال حب الله تعالى نال السعادة في الدارين، فنيل محبة الله تعالى هو الغاية القصوى وغايةُ النهاية من المقامات، والذروة العليا من الدرجات، فما بعد إدراك المحبة مقام إلا وهو ثمرة من ثمارها، وتابع من توابعها، وهو مسلك للتأسي بالنبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لأن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان إمام العابدين وسيد الزاهدين، والزهد كذلك هو سبيل النجاة من حب الدنيا الذي هو رأس كل خطيئة ومصدر كل شر وأساس كل بلية، وهو أكبر عَوْنٍ بعد الله تعالى في الرغبة في الآخرة إذ لا تتم الرغبة في الآخرة إلا بالزهد في الدنيا، فالدنيا دار سفر لا دار إقامة، ومنزل عبور لا موطن حبور، وينبغي للمؤمن أن يكون فيها على جناح سفر، يهيئ زاده ومتاعه للرحيل المحتوم، والسعيد من وُفَّق لرؤية الأشياء على حقيقتها واتخذ لهذا السفر زاداً يبلغه إلى رضوان الله تعالى والفوز بالجنة والنجاة من النار.