فأما فتنة الشبهات: فقد روي عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من غير وجه أن أُمته ستفترق على أزيد من سبعين فرقة على اختلاف في الروايات في عدد الزيادات على السبعين، وأن جميع تلك الفرق في النار إلا فرقة واحدة، وهي ما كانت على ما هو عليه وأصحابه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وأما فتنة الشهوات: ففي " صحيح مسلم " عن عبد الله بن عمرو عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: (كيف أنتم إذا فتحت عليكم خزائن فارس والروم. أي قوم أنتم؟ قال عبد الرحمن بن عوف: نقول كما أمرنا الله. قال: أو غير ذلك؟ تتنافسون ثم تتحاسدون ثم تتدابرون).
وفي " صحيح البخاري " عن عمرو بن عوف عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: (والله ما الفقر أخشى عليكم ولكن أخشى أن تبسط عليكم الدنيا كما بسطت على من كان قبلكم فتنافسوها كما تنافسوها فتهلككم كما أهلكتهم).
وفي " الصحيحين " من حديث عقبة بن عامر عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ معناه أيضاً.
ولما فتحت كنوز كسرى على عمر بن الخطاب رضي الله عنه بكى فقال: إن هذا لم يفتح على قوم قط إلا جعل الله بأسهم بينهم. أو كما قال.
وكان النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يخشى على أمته هاتين الفتنتين كما في " مسند الإمام أحمد بن حنبل " عن أبي برزة عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: (إنما أخشى عليكم الشهوات التي في بطونكم وفروجكم ومضلات الفتن). وفي رواية: (ومضلات الفتن).
فلما دخل أكثر الناس في هاتين الفتنتين أو إحداهما أصبحوا متقاطعين متباغضين بعد أن كانوا إخواناً متحابين متواصلين، فإن فتنة الشهوات عمت غالب الخلق ففتنوا بالدنيا وزهرتها وصارت غاية قصدهم، لها يطلبون، وبها يرضون، ولها يغضبون، ولها يوالون، وعليها يعادون، فتقطعوا لذلك أرحامهم وسفكوا دماءهم وارتكبوا معاصي الله بسبب ذلك.
وأما فتنة الشبهات والأهواء المضلة فبسببها تفرق أهل القبلة وصاروا شيعاً وكفر بعضهم بعضاً، وأصبحوا أعداءً وفرقاً وأحزاباً بعد أن كانوا إخواناً قلوبهم على قلب رجل واحد، فلم ينج من هذه الفرق إلا الفرقة الواحدة الناجية، وهم المذكورون في قوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (لا تزال طائفة من أُمتي ظاهرين على الحق لا يضرهم من خذلهم ولا من خالفهم حتى يأتي أمر الله وهم على ذلك).