(حديث أبي هريرة رضي الله عنه الثابت في صحيح مسلم) أن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: بدأ الإسلام غريبا وسيعود كما بدأ غريبا فطوبى للغرباء.
(حديث ابن مسعود رضي الله عنه الثابت في السلسلة الصحيحة) أن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: إن الإسلام بدأ غريبا، وسيعود غريبا كما بدأ، فطوبى للغرباء. قيل: من هم يا رسول الله؟ قال: الذين يصلحون إذا فسد الناس.
(حديث عبد الله ابن عمرو رضي الله عنهما الثابت في السلسلة الصحيحة) أن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: " طوبى للغرباء , قيل: و من الغرباء يا رسول الله؟ قال: ناسٌ صالحون قليلٌ في ناسٍ سوء كثير من يعصيهم أكثر ممن يطيعهم ".
مسألة: ما معنى قوله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بدأ الإسلام غريبا وسيعود كما بدأ غريبا؟
(قال ابن رجب رحمه الله تعالى في كشف الكربة في وصف أهل الغربة:
قوله: (بدأ الإسلام غريباً) يريد به أن الناس كانوا قبل مبعثه على ضلالة عامة كما قال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في حديث عياض بن حمار الذي أخرجه مسلم: (إن الله نظر إلى أهل الأرض فمقتهم، عربهم وعجمهم إلا بقايا من أهل الكتاب).
فلما بعث النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ودعا إلى الإسلام لم يستجب له في أول الأمر إلا الواحد بعد الواحد من كل قبيلة، وكان المستجيب له خائفاً من عشيرته وقبيلته، يؤذى غاية الأذى، وينال منه وهو صابر على ذلك في الله عز وجل، وكان المسلون إذ ذاك مستضعفين يشردون كل مشرد ويهربون بدينهم إلى البلاد النائية كما هاجروا إلى الحبشة مرتين ثم هاجروا إلى المدينة، وكان منهم من يعذب في الله ومنهم من يقتل، فكان الداخلون في الإسلام حينئذ غرباء، ثم ظهر الإسلام بعد الهجرة إلى المدينة وعز وصار أهله ظاهرين كل الظهور، ودخل الناس بعد ذلك في دين الله أفواجاً، وأكمل الله لهم الدين وأتم عليهم النعمة، وتوفي رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ والأمر على ذلك، وأهل الإسلام على غاية من الاستقامة في دينهم، وهم متعاضدون متناصرون، وكانوا على ذلك في زمن أبي بكر وعمر رضي الله عنهما، ثم أعمل الشيطان مكائده على المسلمين وألقى بأسهم بينهم، وأفشى بينهم فتنة الشبهات والشهوات، ولم تزل هاتان الفتنتان تتزايدان شيئاً فشيئاً حتى استحكمت مكيدة الشيطان وأطاعه أكثر الخلق، فمنهم من دخل في طاعته في فتنة الشبهات، ومنهم من دخل في فتنة الشهوات، ومنهم من جمع بينهما، وكل ذلك مما أخبر النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بوقوعه.