فإن الناس على قسمين:
(قسم ظفرت به نفسه فملكته وأهلكته وصار طوعا لها تحت أوامرها.
(وقسم ظفروا بنفوسهم فقهروها، فصارت طوعا لهم منقادة لأوامرهم.
قال بعض العارفين: انتهى سفر الطالبين إلى الظفر بأنفسهم. فمن ظفر بنفسه أفلح وأنجح، ومن ظفرت به نفسه خسر وهلك. قال تعالى: {فَأَمَّا مَنْ طَغَى وَآثَرَ الحياةَ الُّدنْيَا * فَإنَّ الجحِيمَ هِىَ الْمَأْوَى وَأمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى فَإِنّ الجنَّةَ هِىَ المَأْوَى} [النازعات: 37 - 41].
فالنفس تدعو إلى الطغيان وإيثار الحياة الدنيا، والرب يدعو عبده إلى خوفه ونهي النفس عن الهوى. «والقلب بين الداعيين»، يميل إلى هذا الداعي مرة وإلى هذا مرة وهذا موضع المحنة و الابتلاء.
(وقال أيضاً رحمه الله تعالى:
وله علاجان: محاسبتها، ومخالفتها، وهلاك القلب من إهمال محاسبتها، ومن موافقتها واتباع هواها،
[*] (وذكر الإمام أحمد عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه قال: "حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا، وزنوا أنفسكم قبل أن توزنوا، فإنه أهون عليكم في الحساب غدا أن تحاسبوا أنفسكم اليوم، وَتَزَيَّنوا للعرض الأكبر، يومئذ تعرضون لا تخفى منكم خافية".
[*] (وذكر أيضا عن الحسن قال: "لا تلقى المؤمن إلا يحاسب نفسه: وماذا أردت
تعملين؟ وماذا أردت تأكلين؟ وماذا أردت تشربين؟. والفاجر يمضى قدما قدما لا يحاسب نفسه".
وقال قتادة فى قوله تعالى:
{وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطاً} [الكهف: 28].
أضاع نفسه وغبن، مع ذلك تراه حافظا لماله مضيعا لدينه.
[*] (وقال الحسن: "إن العبد لا يزال بخير ما كان له واعظ من نفسه، وكانت المحاسبة من همته".
[*] (وقال ميمون بن مهران: "لا يكون العبد تقيا حتى يكون لنفسه أشد محاسبة من الشريك لشريكه، ولهذا قيل: النفس كالشريك الخوَّان، إن لم تحاسبه ذهب بمالك".
(وقال ميمون بن مهران أيضاً: "إن التقى أشد محاسبة لنفسه من سلطان عَاصٍ، ومن شريك شحيح".